الرسالة التي وجهها عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، إلى المسؤولين الكبار والصغار بالمديرية العامة، تعتبر مانفستو جديدا للأمن الوطني، بمثابة بيان مبني على ما كان وما ينبغي أن يكون، موضحا أن الأمن، الذي راكم تجارب وخبرات وسمعة طيبة خلال تدبيره لمرحلة الطوارئ الصحية والحجر الصحي، هو نفسه الأمن الذي ينبغي أن يلتزم بمواصلة الدفاع عن أمن وأمان وسلامة المواطنين وفق قاعدة الموازنة بين الحقوق والقانون.
سمينا هذه الرسالة مانفستو لأنها تعتبر تحولا كبيرا على مستوى اللغة المستعملة وعلى المفاهيم المؤطرة لها، وعلى طبيعة البيانات، التي تهم أفكار المجتمعات والتجمعات، تم رصد الواقع، الموسوم بالتطورات الحاصلة نتيجة جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث تطورت خلال هذه المرحلة التهديدات غير المسبوقة الناتجة بسبب محاولة البعض إشاعة المحتويات والأخبار الزائفة والمضللة، وتنامي التحديات الأمنية في زمن الجائحة.
الرسالة حددت ضوابط العمل في وضع مثل هذا، بعد أن تضاعفت المسؤوليات، المتمثلة في حفظ النظام العام وحماية أمن الأشخاص والممتلكات، وكذا زجر الجرائم المستجدة المرتبطة بسياق الوباء؛ وبينت حركة الأمن خلال هذه الفترة القدرة على تنفيذ هذا الاستحقاق الأمني الهام بشكل كبير، وتم كسب كل التحديات والرهانات المرتبطة بإرساء الأمن في مفهومه الشامل.
تضمنت الرسالة عبارة ينبغي الوقوف عندها مليا وهي محور هذا المانفستو وقطب رحاه، حيث شدد حموشي “على الموازنة بين حفظ الأمن العام، وضمان حقوق وحريات الأفراد والجماعات من جهة ثانية، بدون إفراط ولا تفريط”.
هذه معادلة صعبة ينخرط فيها الأمن الوطني حتى يكون أمنا مواطنا.. معادلة مرتكزة على ضرورة حماية أمن المواطنين وتنفيذ القوانين، خصوصا في مرحلة دقيقة مثل تلك التي انتقل فيها الأمن الوطني من مواجهة أعداء حقيقيين من لصوص وتجار مخدرات ومجرمين إلى مواجهة عدو خفي هو كوفيد 19، وذلك من خلال الحرص على التطبيق الصارم لقانون الطوارئ الصحية والحجر الصحي، باعتبار عناصر الأمن هم الأداة التنفيذية إلى جانب السلطات العمومية، في تنفيذ القوانين الصادرة من الجهات المختصة.. كما أن الجزء الثاني من هذه المعادلة هو احترام حقوق الإنسان.
معادلة هذا المانفستو هي المزاوجة الضرورية بين تنفيذ القانون وعدم الإخلال به واحترام ضوابطه ومحاربة كل أشكال خرقه، مع مراعاة الضوابط الحقوقية، التي أصبحت اليوم جزءا من المقرر التكويني لعناصر الأمن قبيل التخرج وحتى بعده.
نحن اليوم أمام مقاربة جديدة للأمن، فليس هو الجهاز الذي يخاف منه الناس ولكنه المؤسسة التي تخاف على الناس وتحمي أمنهم وسلامتهم، وهي تضم أبناء الشعب الذين سهروا الليالي الطوال خلال فترة الحجر الصحي للمواجهة على مستويين، الأول الاستمرار في ضمان السلامة الأمنية ومواجهة الظواهر الإجرامية، التي لم تنقطع، والثاني المتعلق بتنفيذ قرار الحجر الصحي الذي كلف كثيرا ومجهودا مكثفا وتضحيات جساما.