تستعد وزارة المالية لإعداد مخطط مالي لمدة ثلاث سنوات القادمة، ورغم أن التخطيط المستقبلي والاستباقي هو أساس العمل الجاد غير أن الحكومة ستجد نفسها أمام إحراجات كثيرة، ناهيك عن العوائق التقنية، فبعد مراسلة الوزارات من أجل تزويد وزارة الاقتصاد والمالية بمخطط لثلاث سنوات معتمد على التقشف اعتذر أغلب من وصلتهم لأنهم لا يستطيعون إنجاز ذلك بحكم غياب المعطيات.
من يتوفر اليوم على المعلومات المهمة؟ هل يوجد من يعرف الواقع حتى يتصور ما هو الغد؟ ولا يمكن بتاتا بناء تصور لسنة أو سنتين أو أكثر إذا لم يكن بين يديك ملف واضح عن الحاضر، وحاصل القول إن الحكومة لا تتوفر على أية أرضية يمكن أن تبني عليها تصورا مستقبليا.
الحكومة التي وقفت عاجزة تماما أثناء تدبير جائحة كورونا، ولولا التوجيهات الملكية لوقعت الكارثة، ليس بمستطاعها أن تنظر للغد وهي تجهل ما يجري اليوم، ومن الناحية العملية فإن الوزارات التي طلبت منها “المالية” تزويدها برؤيتها لثلاث سنوات، تجهل ما يمكن أن يقع لمدة شهر واحد ناهيك عن كل هذه الأشهر.
أما من الناحية الدستورية والسياسية فإن الحكومة ستتورط في قضية أكبر من تخطيط مالي بسيط إلى الاعتداء على حق الغير، وهذا الغير هو الحكومة المقبلة، المرتقب أن يتم فرزها بعد الانتخابات التشريعية.
ما جدوى حكومة جديدة إذا كانت فقط ستنفذ البرنامج المالي للحكومة السابقة؟ المفروض أن يكون لكل حكومة توجهها المالي في إطار الاستراتيجية الكبرى للدولة، لكن لا يمكن أن تطوق حكومة في مستقبل الغيب بإجراءات يتم اتخاذها اليوم. طبعا سيدور جدل قانوني كبير لأن وزارة الاقتصاد والمالية تستند هي بدورها إلى مناظرات وطنية حول الضرائب،كما تستند إلى القانون التنظيمي للمالية، وبالتالي ينبغي فتح نقاش بدل فرض الأمر الواقع.
أقصى ما يمكن أن تقوم به الحكومة الحالية هو قانون مالية تعديلي وإنجاز قانون مالية لسنة 2021، أما الباقي فهو متروك للحكومة المقبلة، التي مهما كان الحزب التي سيقودها ستكون حكومة مختلفة حتى لو كانت مشكلة من التحالف الحالي، لأن الواقع غير الواقع.
فالحكومة ينبغي أن تبني تصورها على وجود الأزمة، وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتضرر نتيجة جائحة فيروس كورونا المستجد، التي خلفت آثارا اجتماعية واقتصادية خطيرة، ينبغي التفكير في معالجتها وإلا أية انطلاقة ستكون عوجاء عرجاء تتعثر في الحفر الموجودة التي يتم ردمها.
نعم لقد تم صرف تعويضات مهمة للعائلات المتضررة من صندوق الدعم المخصص لمواجهة الآثار السلبية لكوفيد 19، وأكدت الجائحة الحاجة الماسة إلى السجل الاجتماعي وضرورة إخراجه، غير أن سلطة الداخلية كان لها رأي آخر هو تأجيله إلى سنة 2022، أي بعيد الانتخابات التشريعية ببضعة أشهر حتى لا يتم توظيفه في غير محله ولغير الأهداف المتوخاة منه، لأن أي مشروع عندما يصبح أداة للتوظيف السياسي يفقد مغزاه ويعجز عن تحقيق مراميه.