التقرير الصادر عن المجلس الوطني للصحافة بخصوص وضعية الصحافة في المغرب مهم لغاية أنه يضعنا في مفترق الطرق، فإما أن نكتب شهادة ميلاد لصحافة وطنية جادة، وإما أن نكتب شهادة موتها، وبالتالي انبثاق صحافة “الأخبار الزائفة” والاختلاق غير الواقعي وصحافة “التروتوار”، وقد أظهرت الجائحة أن المغرب في حاجة إلى الصحافة الثقيلة والرزينة “الخاثرة” بلغة المغاربة، حيث إن الصحافة “السائلة” ساهمت في تلويث الجو العام وتلويث الذوق ونشر الأباطيل، التي كان من الممكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
المغرب بلد مبني على التعددية، ومنذ سنة 1958 حسم قصة الحزب الوحيد والجمعية الوحيدة والنقابة الوحيدة، لأنها لا تنسجم مع توجهه العام الذي اختاره، ولهذا جاء ظهير الحريات العامة ليقر التعددية كخيار لا محيد عنه، طبعا عرفت الحياة السياسية والاجتماعية مدا وجزرا، غير أن المغرب عرف صحافة تعددية حتى في ظل ما أُُطلق عليه سنوات الرصاص، والتعددية هي خيار الصحافة وإلا انتهت إلى نسخة واحدة يكرهها القارئ والمتتبع والمستمع والمشاهد.
تاريخ الصحافة في المغرب يحتاج إلى من يزيل عنه الغبار، فهو تاريخ الدفاع عن المؤسسة المستقلة والصحافي الكريم، وتم تتويج هذا التاريخ بالتنظيم الذاتي للمهنة، التي أصبح مسؤولا عنها المجلس الوطني للصحافة، الذي هو مؤسسة دستورية منتخبة من قبل الصحافيين والناشرين، وهي المخول لها تدبير الشأن الصحافي في المغرب، رغم تلكؤ الوزراء في التخلي عن الصلاحيات التي كانت لديهم ومنحها القانون للمجلس.
وكان المجلس قبل شهر قد أعد تقريرا شاملا ووافيا عن تعاطي الصحافة مع جائحة كورونا، بحث فيه كيف تصرفت وسائل الإعلام خلال فرض قانون الطوارئ الصحية والحجر الصحي في الثلاث أشهر السابقة، وأنجز خلاصات مهمة، على رأسها أن وسائل الإعلام المغربية والصحافة الرزينة أساسا لعبت دورا مهما خلال المرحلة، وسجل مواصلة الصحف الورقية العمل وفق صيغة ملفات محمولة “PDF”، واستمرار أغلبها في تحمل مصاريف الأجور رغم أنها لم تعد تبيع شيئا ورغم أنها فقدت سوق الإشهار.
وسجل المجلس أيضا بروز ظواهر خطيرة زمن الجائحة متمثلة في اعتماد بعض المواقع الرقمية على الأخبار الزائفة ونشر الشائعات، وهي عملية مغرضة وخطيرة تضر بسمعة الإعلام ومصداقيته.
فهذا التقرير اليوم هو وثيقة مهمة وأرضية جيدة يمكن الاعتماد عليها في تطوير المشهد الإعلامي، ومن أهمية المجلس.
وها هو اليوم يصدر تقريرا ينجز تقريرا مختلفا، وهذه المرة عن وضعية الصحافة، بما هي أدوات إنتاج، والتي أصبحت مهددة بالانقراض أو الدخول في أطوار أخرى لا تخدم المشهد الإعلامي في المغرب، ولهذا فإن التقرير وضع المعنيين بالأمر أمام الأمر الواقع ومكّنهم من المعطيات الواقعية، التي أنجزها بناء على تواصل مع الفاعلين، فاليوم ينبغي أن يقوم كل من هو معني بالأمر بالواجب قبل أن نستيقظ يوما ما على مشهد ليس فيه سوى التفاهة.