لا غبار على أن اللقاء بين الأحزاب السياسية حق لها وحدها، بل هو من ضرورات الحياة السياسية السليمة، لأنه أرضية لبحث الخلافات والنقط المشتركة، وبالتالي يكون أساس التلاقي على برامج انتخابية لتدبير الشأن العام، ولقاء قيادة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يدخل ضمن هذه المقدمات.
فالحزبان الرئيسيان في البلاد من حيث أرقام الانتخابات هما البيجيدي والبام، وهما الحزبان، اللذان تنافسا بقوة خلال السنوات الماضية، وإذا جمعنا الحزبين من حيث القوة العددية فإنهما يمثلان أكثر من نصف مجلس النواب، حيث تبلغ الكتلة النيابية للحزبين 229 برلمانيا، وأي اتفاق بينهما يمكن أن يلغي الأغلبية العددية للحكومة.
نحن اليوم أمام توافق جديد لا يمكن النظر إليه إلا بكونه جزءا من العملية الانتخابية المقبلة، ولا يمكن بتاتا فهمهم على أساس ما يجري الآن، وعمر الحكومة الافتراضي قد انتهى باعتبار أنه لم يبق لها سوى سنة واحدة موسومة بتدبير مرحلة ما قبل انتخابات 2021، وبالتالي فإن الاجتماع بينهما يدخل دون شك في سياق الإعداد للانتخابات المقبلة.
بعد انتخاب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما للأصالة والمعاصرة، دعا إلى التوجه نحو الكتلة الديمقراطية، باعتبار أن أغلبية مكونات الحزب قادمة من اليسار، وبالتالي تعتبر الكتلة أقرب حليف موضوعي لهذا الحزب، غير أن اليسار لم يلتقط إشارة الزعيم الجديد للبام، نظرا لتضعضع واحد واهتمام الآخر بمشاكله الداخلية، وربما استبق البيجيدي القصة كاملة ليفوز بأي تنسيق مع حزب قوي من حيث العدد التمثيلي في البرلمان وأصبحت له قاعدة انتخابية مهمة.
القوانين الانتخابية تصاغ بالتوافق لكن في النهاية يتحكم فيها من يملك الأغلبية العديدة، وهذا قدر الديمقراطية أن يتحكم العدد في حسم الخلافات، وبالتالي أي توافق بين الحزبين الكبيرين انتخابيا هو الذي بمستطاعه أن يحسم قواعد “اللعبة” في المرحلة المقبلة من حيث القوانين الانتخابية والتقطيع الانتخابي وطريقة التصويت، وهل سيستمر العمل باللائحة أو العودة إلى التصويت الفردي.
الأغلبية الحالية لم يعد أمامها سوى تدبير مرحلة الجائحة وما بعدها، وفق قانون مالي تعديلي سيؤثر حتما على القانون المالي للسنة المقبلة، وبالتالي ستكون محكومة بإكراهات الأزمة، مما يحتم عليها التسليم بنهاية زمنها السياسي وأنها اليوم تدور في زمن التدبير للشأن العام، وهو تدبير برسم العمل اليومي، فلم يبق أي مجال للمناورة السياسية.
قد يُنظر للقاء الأمس بين الغريمين، الذي وصفه سعد الدين العثماني بأنه لقاء لنزع التوتر بين الفصيلين السياسيين، على أنه لقاء يرسم معالم المشهد السياسي المقبل بزعامة حزبين كبيرين انتخابيا، وقد يكون ذلك مفيدا لتكوين أقطاب تحكم في مقابل أقطاب تعارض، وبالتالي نضمن حكومة قوية من حزبين كبيرين قد يضاف إليهما تشكيلة صغيرة فقط، ومعارضة أيضا قوية تتوفر على برنامج بديل ولا تقتصر على نقد ونقض ما جاءت به الحكومة.