شدد مجلس المنافسة على ” أن مكافحة مختلف أشكال الريع وحالات الاستغلال التعسفي ومظاهر الاحتكار والآثار السلبية الناجمة عن عمليات التركيز الاقتصادي، وكذا التواطؤ بين عالم الأعمال والمحيط السياسي، تقتضي وضع أسس منظومة وطنية حقيقية ومندمجة للمنافسة، بوصفها إطارا للتشاور يرتكز على التكامل المؤسساتي وانسجام المهام والتقائية الأهداف، ويتيح جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات المعنية من التفاعل.
وأفاد المجلس، في تقرير جديد رفع الى جلالة الملك محمد السادس، بعدما صادقت عليه بالاجماع الجلسة العامة للمجلس، خلال جلستها السادسة المنعقدة يوم 14 ماي المنصرم، على أن إنجاح هذه المنظومة يظل رهينا بتحمل المسؤولية الاقتصادية المشتركة بين الدولة والبرلمان والسلطتين القضائية والاستشارية والهيئات الوطنية للتقنين والحكامة، والمجالات الترابية والمقاولات والمجتمع المدني. وأشار إلى أن هذه المسؤولية الجماعية تجد دواعيها في الطابع المعقد الذي تتسم به حكامة وتقنين المنافسة في الأسواق. كما تتطلب فعالية نتائجها انخراط جميع مؤسسات الحكامة المعنية بمحاربة الرشوة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية الأجيال الجديدة لحقوق الإنسان، ومراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، ومحاربة جميع أشكال الاختلالات الاقتصادية ” الريع، والتملص الضريبي، والزبونية في مجال الصفقات العمومية والتدبير المفوض للخدمات العمومية وغيرها”.
وأبرز التقرير، أن هذا هو المعنى الذي يمنحه مجلس المنافسة لمبدأ التكامل المؤسساتي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والاستشارية والقضائية، وهيئات التقنين والحكامة، معتبرا إياه مبدأ يجسد الخيار الذي تبناه المجلس والرامي إلى ضمان الالتقائية بين جميع المؤسسات الدستورية المعنية بالحكامة والتقنين على أساس تطوير أشكال مبتكرة للشراكة.
وأوضح التقرير، أن إرساء هذه المنظومة، يتطلب التطبيق الفعال لعدة تدابير مصاحبة من طرف جميع المتدخلين في هذه المنظومة، مبرزا أن الأمر يتعلق بالسهر على ضمان مبدإ تكافؤ الفرص والمساواة بين المقاولات والمستهلكين والمجالات الترابية إزاء الفعل الاقتصادي عبر التطبيق الصارم للقانون ذي الصلة، وتخليص الاقتصاد الوطني من مظاهر الريع والاستغلال التعسفي لوضع مهيمن وأشكال الاحتكار والآثار السلبية المترتبة عن عمليات التركيز الاقتصادي والتواطؤ بين كل من عالم السياسة والأعمال، من خلال تكريس مبدأ سمو القانون، وحماية، بموجب القانون، للمستهلكين والمكونات الهشة للأسواق ضد مظاهر الاحتكار والنفقات غير المشروعة، ويتعلق الأمر أيضا بالمساهمة في رفع الحواجز التي تحول دون دخول منافسين جدد إلى السوق عبر فرض عقوبات على الشركات المؤاخذ عليها، والترافع لصالح إلغاء الامتيازات التي تتجسد في منح المأذونيات والرخص في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، والعمل على إخضاعها لقواعد جديدة تضمن المساواة والانصاف والشفافية والمنافسة الحرة والمشروعة.
و أفاد مجلس المنافسة بأنه أصدر 50 قرارا في مجال الإحالات التنازعية برسم سنة 2019، وذلك وفقا لسلطته التقريرية في المجال التنازعي وفي محاربة الممارسات المنافية للمنافسة، وأوضح المجلس، في تقريره السنوي لسنة 2019، أن الإحالات التنازعية تمحورت حول الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن (11 إحالة)، والنزاعات المتعلقة المنافسة غير المشروعة (12 إحالة)، والاتفاقات المنافية للمنافسة (ثلاث إحالات)، مسجلا أن نصف الإحالات تقريبا تهم إشكاليات تتعلق بالولوج إلى الطلبية العمومية.
وأشار التقرير، الى أن هذه الإحالات تتعلق عموما بقضايا تنازعية لمقاولات، تدعي بأن الجهات العمومية المشرفة أزاحتها بصفة غير عادلة من مسطرة الصفقات العمومية، أو تعتبر بأن أنظمة الاستشارة ودفاتر التحملات الخاصة المعتمدة من لدن الإدارة تشكل حاجزا يمنعها في الأصل من ولوج الطلبية العمومية.
و أشار التقرير إلى أن المجلس باشر، بشكل رسمي، مسطرة التحقيق في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة في سوق المحروقات السائلة عقب التوصل بإحالة، في هذا الشأن، من لدن جمعية مهنية ومنظمة نقابية، وبعد الانتهاء من التحقيق في هذه النازلة، وطبقا لمقتضيات المادة 29 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، قام المجلس، بتاريخ 22 ماي 2019، بتبليغ تسع جهات مكلفة بتوزيع المحروقات بالجملة، وكذا تجمع النفطيين بالمغرب بالمؤاخذات للاشتباه في ارتكاب ممارسات منافية لقواعد المنافسة.
وبخصوص طبيعة القرارات الصادرة عن المجلس في مجال الإحالات التنازعية خلال سنة 2019، سجل التقرير أنه تمت الإجابة بعدم القبول (في 45 ملفا)، وعدم الاختصاص (ملفان)، أو تراجع الجهة الم حيلة (3 ملفات)، مضيفا أن توزيع الإحالات التنازعية حسب الجهة الم حيلة توضح أن أغلبية الإحالات الواردة تم توجيهها من لدن الفاعلين المباشرين في الأسواق، أي المقاولات، وهو ما يمثل 58 بالمائة من مجموع الإحالات.
وأظهر التقرير أن المنظمات النقابية والجمعيات المهنية تأتي في المرتبة الثانية بواسطة 17 قرارا، أي 34 بالمائة من مجموع الإحالات، في حين تم اتخاذ قرار واحد جوابا على إحالة واردة من هيئات المستهلكين، موضحا أنه يمكن تفسير هذا العدد المحدود بإلزام هذه الجمعيات بالتوفر على الصفة القانونية للمنفعة العامة إذا ما رغبت في الإحالة على مجلس المنافسة، في حين لم تستفد بعد أي جمعية للمستهلكين من هذه الصفة، إلى غاية متم 2019.
وأشار التقرير إلى أنه يتبين من خلال توزيع الإحالات التنازعية حسب قطاعات النشاط، أن الطلبيات العمومية تتصدر القطاعات التي أصدر المجلس بشأنها قرارات برسم سنة 2019، موضحا أن “الأمر يتعلق بمؤشر وثيق الصلة يهدف إلى قياس درجة مشاكل المنافسة التي يعاني منها هذا الجزء من نشاط الاقتصاد الوطني، والذي يشكل 15 في المائة من الناتج الداخلي الوطني الإجمالي حسب برنامج نزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية الذي أقرته الخزينة العامة للمملكة”.
وسجل التقرير، أن الاختصاصات التنازعية لمجلس المنافسة تنحصر في مجال الصفقات العمومية في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة التي ترتكبها المقاولات، كانت ترشحت في وقت سابق للظفر بهذه الصفقات، ولا تمتد هذه الصلاحيات لتشمل الأعمال التي تقوم بها الإدارة حين تزاول هذه الأخيرة مهام المرفق العام أو تمارس صلاحيات سلطة عمومية.
وأوضح التقرير أن مجلس المنافسة أصدر، برسم سنة 2019، مجموعة من القرارات والآراء بلغ عددها 106، صودق عليها في إطار اجتماعات الجلسة العامة أو اللجنة الدائمة، تماشيا مع مقتضيات المادة 14 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، مبرزا أن هذه القارات تهم مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، ودراسة الإحالات التنازعية، والمهام الاستشارية.
وشهدت سنة 2019 نشاطا مكثفا لمجلس المنافسة، حيث لم يقم خلالها بدراسة الإحالات الجديدة، وطلبات الرأي، ومشاريع التركيزات الاقتصادية المعروضة على أنظاره فحسب، بل قام كذلك بتدبير المخزون الهام للملفات الموروثة عن المجلس السابق و العالقة منذ سنة 2014، والتي بلغت 105 إحالة وطلب رأي.
و خصص المجلس جزءا من مخطط عمله لسنة 2020 لتحقيق إجراءات موجهة، تعتـمد على قنوات واسعة النطاق للتواصل، حيث تتضمن تنظيم حملات تحسيسية وتواصلية وتكوينية تتوخى ترسيخ ثقافة التواصل لدى مختلف الأوساط المعنية بالقضايا التنافسية على المستوى الوطني والترابي.