شكلت سنة 2014 منعطفا لافتا في العلاقة مع منظمة العفو الدولية التي قادت حملة عالمية للانضمام والمصادقة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، استهدفت فيها المغرب الذي صادق على هذه الاتفاقية منذ سنة 1993، وصنفته إجحافا إلى جانب أربعة بلدان (المكسيك، نيجيريا، الفلبين، أوزبكستان) “تمارس انتهاك التعذيب”، وأصدرت في سياقها تقريرا تعسفيا تنكر لكل جهود المغرب الإصلاحية وانخراطه الجاد في تفعيل التزاماته الدولية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولاسيما مناهضة التعذيب.
وهو الحدث الذي كشف عن طبيعة النهج الذي ستعتمده المنظمة إزاء المغرب، مما استلزم الدفاع عن المنجزات والمكتسبات بالرد على مزاعمها، وتنظيم لقاءات، هنا بالمغرب، مع ممثليها بالرباط ومكاتبها الإقليمية بكل من تونس وبلجيكا (خلال ماي ويونيو وشتنبر 2014)، طلبت فيها السلطات العمومية تقديم التوضيحات اللازمة ونبهت إلى الاختلالات الحاصلة في مقاربة المنظمة، بل إن السلطات المغربية المختصة تجاوبت مع اقتراحاتها بشأن ادعاءات تهم حالات معينة.
وقال مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، الذي كان يتحدث أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب في موضوع تفاعل المغرب مع المنظمات الدولية اليوم الأربعاء، أن المغرب وانسجاما مع خياره الاستراتيجي الذي لا رجعة فيه في مجال حقوق الإنسان، بقيادة جلالة الملك حفظه الله، والمكرس بموجب الدستور والالتزامات الدولية، اختار المغرب منذ سنوات طويلة، نهج الانفتاح والالتزام بالحوار والتفاعل البناء في علاقته بكافة المنظمات الدولية غير الحكومية،
وأضاف أنه بالرغم من نبل الأهداف التي أنشأت من أجلها المنظمات الدولية غير الحكومية، وأدوارها الرائدة في الانتصار لحقوق الإنسان، إلا أنها صارت تواجه تحديات في عملها وفي علاقتها مع العديد من الدول، ولا سيما بخصوص منهجية إعداد تقاريرها وما يتعلق بها من وجوب توفر المصداقية والالتزام بمعايير الحياد والموضوعية فيما تتضمنه من معطيات ومعلومات، مما جعلها تقع، أحيانا، في كثير من الأوضاع الصعبة مع الحكومات المعنية بتقاريرها، خاصة وأن مثل هذه التقارير إلى جانب أنشطة أخرى كحملات الدعم والمناصرة لبعض القضايا والمطالب المستمرة والبيانات والمؤتمرات أضحت تشكل وسيلة ضغط لتوجيه الرأي العام الدولي، والتأثير في العلاقات بين الدول.
وأكد الوزير أن أمنستي تحظى بوضع خاص ببلدنا، بتوفرها على مقر دائم منذ 23 سنة (تأسس الفرع المحلي سنة 1997)، وتشتغل وتمارس أنشطتها منذ سنوات عديدة، بكل حرية فوق التراب الوطني، وظلت السلطات المغربية تتفاعل بروح إيجابية مع كل أنشطتها، سواء تعلق الأمر بطلبات الزيارة أو تنظيم الندوات أو طلب المعلومات أو بمناسبة الرد على تقاريرها، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، أضحت السلطات المغربية تلمس باستمرار تغيرا سلبيا في مقاربة هذه المنظمة لأوضاع وقضايا حقوق الإنسان بالمغرب.
وقال إن الخلاف مع المنظمة، بعدما حاول وفد عنها ولوج التراب الوطني في أكتوبر 2014 وإصدار تقرير موضوعاتي حول وضعية المهاجرين بالمغرب، واعتمادها توجها غير واقعي في طلبات عقد لقاءات مع مسؤولين مغاربة، وهو ما قاد السلطات المغربية، مجددا، إلى تنظيم لقاءات مع مسؤولي المنظمة بلندن (من خلال سفير المملكة في أكتوبر 2014، ثم وفد رسمي برئاسة وزير العدل والحريات في يناير 2016، واستقبال الأمين العام للمنظمة بالمغرب في مارس 2016)، حيث تم استعراض معطيات الوضع الحقوقي بالمغرب، وخاصة جهود المملكة لمكافحة التعذيب على صعيد الممارسة الاتفاقية وانعكاساتها التشريعية، فضلا عن الممارسة الفعلية للالتزامات الوطنية والدولية للمملكة، وهو ما أدى إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات مكافحة التعذيب، الأمر الذي ظهر جليا في تقلص حجم الشكايات وتزايد عدد الأبحاث والمتابعات للمشتبه في ارتكابهم لأفعال التعذيب مع القطع التام مع التعذيب الممنهج.
وقد أفضى هذا الحوار إلى الاعتراف العلني من قبل الأمين العام لمنظمة العفو الدولية بتأكيده على قطع المغرب مع التعذيب الممنهج، وأن وضع المغرب في لائحة الدول الخمس التي كانت محل حملة المنظمة إنما لتوفره على عناصر متقدمة تؤهله للانتقال إلى دولة تحترم حقوق الإنسان، وهو ما عبرنا عن رفضه نظرا لآثاره السلبية على الصورة الحقوقية للمملكة مع ترحيبنا بتأكيد المنظمة على حقيقة نبذ المملكة للتعذيب الممنهج.
وتجدد الخلاف مع منظمة العفو الدولية، حسب الرميد، بعد صدور تقريرها الأخير في 22 يونيو 2020، الذي تضمن اتهامات وادعاءات غير مؤسسة أو مسنودة بأدلة إثبات، حول ” استخدام المغرب لتكنولوجيا المراقبة المعلوماتية عن طريق برنامج خاص، يستخدم عادة في مكافحة الجريمة عبر الحدود، طورته شركة أجنبية تدعى “إن إس أو” (NSO Group)، يقوم بواسطته بإخضاع هواتف بعض الأشخاص للمراقبة الإلكترونية واختراقها”.