محمد فارس
متى يا (كوڤيد) تخبو في ديارنا، وتطلع شمسُ النّصر من بعْد حجْر واختناق.. فبفضل سياسة مَلكٍ هُمام، تبدّدت أحزان اللّيالي، وصار عيشُنا بعد مأساة حُلْو المذاق.. جاء النّور بعد رجاء صدحتْ به قلوبُنا، وكلِّ قلبٍ مؤمن برحمة الله وبآمال مُحبّبة رقاق.. اجتاح وباءٌ، وزادت مصائبُنا، وكادت بها الأرواح تصعد للتّراقي لولا شفاء جادَ به الرّبُّ الباقي.. وفي مغرب عريق وحِكمة ملكٍ بعيد النظر، وسياسة حكيمة، وُضِعَتْ لصالح الشعب على قَدمٍ وساق.. وما أكثر الدّول التي عانت وما تزال من (كورونا)، ولم تجدْ حلاّ وفَكاكًا من حصار ضارٍ ومن وِثاق.. قال اليائسون من رحمة الله، لقد تولّى الأملُ، وحلّ البُؤسُ، ونزل اليأسُ، وهيهات الرجوعُ أو التّلاقي.. قالوا محالٌ أن نرى للنصر على الڤايْروس وجهًا، ولو سِرْنا ولو طرنا إلى السبع الطِّباق.. قل كذبتمْ، بل خَسِئْتم، وها هي أمتُنا تنهض، وشعبنا يعافى ويُقبِل على الحرية مع حرّ اشتياق..
نزل (ڤَايْروسٌ) قاتلٌ، عدوُّ لا تراه، يهزأ بالحياة، وكان من ضحاياه هنا وهناك العديد.. ومن الحكّام متوسّطي الذّكاء، من استخفّ بالدّاء، ورفض الكمّامة لعِلمه فقط بكمّامة الأفواه التي يفرضونها على شعوب العبيد.. أخافوا شعوبهم بالجوع، والاقتصاد، والموتُ الأسود يشرئبُّ بعنقه من بعيد.. فعمّتِ الجائحةُ، ولم يَنْجُ من الكارثة وهَوْل الفاجعة إلا شعب كان له ملكٌ ذو حِكمة ورأي سديد.. صار شعْب وراء ملكٍ يخوض بحرًا متلاطمةٌ أمواجُه، حتى بلغ الكلُّ في أمن وأمان شاطئَ الخلاص السعيد.. وكَمْ، وكم، وكم أفتى أبغَضُ قُرّاء الضّلال، وكم انتقد الأمرَ أعداءُ الأمّة، وكم أكثروا من التنديد والتّغريد.. تمسّحوا بالدّين ليضِلّوا الشعب، ويدفعوه للهاوية، وما كان الدّينُ سلبيًا كلّما حلّ الخطر أو دان التهديد.. ما كان لملكٍ صادقٍ أن يفعل ما فعل، وخطبٌ فادح، وفواجعُ حلّت بأمته، وهو أمرٌ ليس على ملكٍ بجديد.. ماذا كان سيحصل لمغرب لو لم يتّخذْ جلالتُه إجراءات، وكان حِرصُه على تنفيذها، ونِعْمَ التنفيذ.. اختطف (الڤايروس) العنيد أنفسًا بيْننا ولكنّ لُطْفَ الله نزلَ، وكان الضحايا قلّة في هذا الصّعيد.. نَعمْ، ودّعْنا إخوة لنا وهم يُحْسَبون في زمرة صحابة قضَوا من جرّاء الطاعون، فالرحمة والمغفرة لكلّ شهيد.. ما رَجوْنا من الله رَفْعَ البلاء، ولكن رجوناه اللّطفَ فيه، فما كان لنا من أموات ما عرفتْه روما، وباريس، ومدريد.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: اِسْتعينوا على الدّاء بالدّعاء، فدعوْنا فما كان لُطْفُ الله عَنّا يومًا ببعيد..
لكن يا عيْـنُ، فابْكي بالدّم الهتان ممّا أناخَ بدول مسلمة قلوبها تمطر وابل الأحزان.. النّفوس تجزعُ من أليم مصابها، والأجسامُ أضناها وكأنّها أمام الوباء هدفٌ لرمي بنادقَ وسِنان.. جائحةٌ جسيمة، وفاجعةٌ حلَّت بمجتمعات، لم تُفرّقْ بين شيخ، وامرأة، وصبيان.. كربٌ، وألمٌ، ومذهلاتٌ، صُوِّبتْ نحو شعوب كانت آمنة، تعيش في أمن وأمان وفي اطمئنان.. وشعوب أخرى، كانت تعاني ويلات الحروب، وقسوة الكروب، فزادها الوباءُ الطاغي الضّر الثاني.. شعوب منكوبة، تعاني وطأة الحرب، والجوع، وإنسانٌ كرّمه الله يُذْبَح كالشّاة ويُنْحَر نَحْرَ الضّان.. أممٌ ذُبِحتْ كرامتُها، وهاضتْ حقوقُها، ومرْضاها يعانون من وباء يصاحبه إهمالٌ ما اختلف حوْله اثنان.. ماذا يقولون لربّهم، إن كان لهم ربٌّ يؤمنون به، ويخافونه، يوم يلاقونه فيُفتَح الكتابُ ويوضع الميزان.. ملَؤُوا فِجاج الأرض من (فيروساتهم) بوحشية داست بكلّ حماقة حُجُبَ الحياء وعزّة الإنسان.. لله ما أمضى سيوفهم، وما أقسى حقدهم، وما أفظع جشعهم، وما أبغض عزمهم على العدوان.. نصّبوا على رأس كل دولة عميلا لهم، متوسّط الذكاء، طمّاع، كذّاب، حيزتْ له الدنيا ومُتَعُها بلا نقصان.. تظاهر كلّ عميلٍ لأسياده بمشاركة شعبه آلامَه، لكنّ همّه المال، والاقتصاد، فما همَّه شعبٌ يقاسي ويعاني.. كم تبجَّحوا بالتحضُّر والتقدّم، فأتاهم (كوڤيد) وأسمعَهم الكلام المفيد، وأرسل عليهم صواعقَ تغلق من النّيران.. ثم الغريب في الأمر، هو أن المتبجّحين بالتقدّم، والطّب، وقوة الاقتصاد، كانوا وكأنّهم رُميَ بهم في الغاب للذُّؤبان.. لكن الحمد لله، والشكر لله، على بلادنا التي عبرَت بأقلّ الخسائر مرحلةً خطيرة، ونالت ميزةً في الامتحان..
لكنْ إيّاك أن تأتيني بوزير، أو رئيس حكومة، أو برلمان تُنسِبُ لهم أفضالاً كاذبة وترفع لهم مقاما.. هؤلاء قوم، لا همَّ لهم غيْر المناصب، والمكاسب، والڤيلاّت، وكم من صُروح شُيِّدت لهم تحْسبهم أصناما.. هؤلاء قوم لا يخشون أيّ لوم، وحكوماتٌ وأحزاب لا تَدينُ بحقّ لشعب تخاله أنعامَا.. مغربٌ له شعبٌ، وملكٌ حكيمٌ، يرعاه دومًا، يعيش همومَه، وقد رأيتَ الدّليلَ أياما غصّتْ حسرةً وآلاما.. مغربُ ما بعْد (كورونا) يجب أن يكون مغربَ علوم، وصناعة، وزراعة، وصحّة، يتولاّها مَن هم أكثر إلماما.. مغربُ ما بعد (كوڤيد) يجب أن يكون مغربًا سياستُه، وشعاره الضّرب على يد من يجمع الأموالَ والآثاما.. لكنْ أحذّركم ممّن ينبري لكم في معرض الزّهد، والتمسّح بالدّين، والوطنية، وهمُّه أن يصيبَ لحمًا وإيداما.. قال الشّاعر: جازى الله الشّدائدَ كلّ خيْر * عرفتُ بها عدوّي من صديقي.. ونحن نقول: الحمد لله وقد وهبنا ملِكًا كريمًا، وسمحًا، هُماما.. وشكرًا وتحيّةً لكل شرطي، ودركي وممرّض، غاب عن أسرتِه أيّاما.. وشكرًا لكلّ كريم تصدَّق ولو بالقليل، فأسعد قلوبَ فقراء، وأراملَ، وأيتاما.. وشكرًا لصحفيّين جاهدوا ضدّ الوباء، فكان سلاحهم القِرطاس، وظّفوا كلمةً، وامتشقوا أقلاما.. (كوڤيد) المستجدّ لن يدوم إلى الأبد، لكنّ الاحترازَ واجب، وتبقى الحيطة علينا إلزامَا.. والله عزّ وجلّ، سيذهب عنّا الحزنَ، وسيشملنا برحمته، ويشِعّ نورَه، ويرفع ظلاما.. وشكرا لله على فضله وإحسانه، له المجد، كل المجد إلى أبد الآبدين…