المحكمة الدستورية ليست سلطة فوق السلط، ولكنها مؤسسة رتّب لها الدستور قواعد كي تحمي التشريعات المغربية، ودورها هو مراقبة مدى ملاءمة القوانين، التي تقدمت بها الحكومة وصادق عليها البرلمان مع الدستور، والإحالة عليها إلزامية حيث ينص الفصل 132 من الدستور على أنه ” تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور”.
ولا يمك لرئيس الحكومة إصدار الأمر التنفيذي لأي قانون صرّحت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته ولا تطبيقه، وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته، ولا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.
فليس أمام الحكومة من خيار سوى إعادة النظر في القانون أو مواد بعض فصوله التي رفضتها المحكمة الدستورية وإعادة إحالته من جديد على البرلمان.
يبقى بالنتيجة عمل المحكمة الدستورية عادي جدا ولا يقبل أي تأويل، غير أنه يقبل القراءة بالنظر للظروف التي تحيط بإنجاز القانون، وهذا ما تسمح به رفض عدد لا يستهان به من مواد بعض فصول قانون المسطرة الجنائية.
لكن لابد من النظر إلى الأمر من زاوية أخرى. الأولى تتعلق بوجود المحكمة الدستورية نفسها والثانية بالطريقة التي قدم بها وزير العدل القانون المذكور.
رفض المحكمة الدستورية لكثير من مواد قانون المسطرة المدنية، يعني أن المغرب دولة مؤسسات تحمي القوانين من الاستغلال الذي يمكن أن تمارسه جهة سياسية. أي أنه لا يمكن الاعتماد على الأغلبية العددية، التي تتوفر عليها الحكومة، لتمرير قوانين تنظيمية يمكن أن تحكم المغاربة لعشرات السنوات.
قرار المحكمة الدستورية له دلالة رمزية أكبر من مفعوله العملي في رفض مواد قانونية، كانت ستشكل تراجعا خطيرا عن انخراط المغرب في مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان ومجتمع الموازنة بين الواجبات والحقوق.
قرار يقول إن التشريع ليس نزهة متاحة لتفريغ وتنفيس ما يختزنه كل واحد تجاه الأفراد والمؤسسات، وأن الدستور ضامن لتحقيق التوازن الفعلي وحماية التشريعات من الاختراق السياسي والشخصي، أي أن التشريعات تعبر عن الروح الجماعية.
قرار يقول إنه إذا كان من حق الحكومة أن تقوم بتمرير بعض القرارات يتيحها لها القانون فإنها غير مسموح لها بالتساهل في العملية التشريعية، خصوصا وأنها تستغل أغلبيتها العددية وعدم دراية أغلب البرلمانيين بالقوانين والغياب الكبير الذي تشهده اللجن أثناء المناقشة.
أما الأمر الثاني فهو فرملة لاندفاعة غير محسوبة لوزير العدل الذي قدم القانون بطريقة “التحدي” وعدم الإنصات للأطراف المختلفة التي يعنيها قانون المسطرة الجنائية، وهي أطراف عديدة كان ينبغي أخذ وجهات نظرها بعين الاعتبار.
عل وعسى أن تكون هذه الفرملة درس للحكومة في التريث أثناء التشريع وخصوصا فيما يتعلق بالنصوص التي لها طابع “القانون التنظيمي” وعلى رأسها القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة.