سجل قطاع التأمين بالمغرب أداءً إيجابيًا خلال سنة 2024، إذ تمكن من تحقيق أرباح صافية بلغت 4,4 مليارات درهم، بزيادة قدرها 2,9 في المائة مقارنة مع السنة السابقة، وفق ما كشف عنه التقرير السنوي الثاني عشر حول الاستقرار المالي، الصادر عن كل من بنك المغرب، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، والهيئة المغربية لسوق الرساميل.
واشار التقرير إلى أن الأداء الإيجابي لا يخفي بعض التحديات التي عرفها القطاع، خصوصًا على مستوى النتائج التقنية. فقد تراجع صافي النتيجة التقنية لفرع التأمين على الحياة بنسبة 6,3 في المائة، بالرغم من تحسن مكونه المالي، وهو ما يعكس تأثير عدد من المتغيرات المرتبطة بسوق الرساميل وبالمنتجات التأمينية التي تهم هذا الفرع الحيوي من أنشطة القطاع. كما لم يكن فرع التأمينات الأخرى – غير تأمين الحياة – في منأى عن التراجع، إذ انخفض صافي نتيجته التقنية بدوره بنسبة 2,3 في المائة خلال نفس السنة، لكن على الرغم من هذه المؤشرات السلبية، فقد ساهم الأداء القوي للأنشطة غير التقنية في دعم النتيجة النهائية. وقد تحسنت النتيجة غير التقنية – التي تمثل 8,3 في المائة فقط من النتيجة الصافية – بزيادة قدرها 392 مليون درهم، مدفوعة بارتفاع المكونات العادية (زائد 235 مليون درهم) وغير العادية (زائد 157 مليون درهم). هذا التحسن يعكس، بحسب التقرير، الدينامية الإيجابية التي شهدها السوق المالي المغربي خلال 2024، والتي استفادت منها بشكل واضح استثمارات شركات التأمين، خصوصًا عبر القنوات المالية التقليدية وأدوات السوق.
وفي السياق نفسه، أشار التقرير إلى تسجيل ارتفاع في الأموال الذاتية لقطاع التأمين بنسبة 3 في المائة، وهو ما ساهم في الحفاظ على مردودية الأموال الذاتية (العائد على حقوق المساهمين – ROE) عند مستوى شبه مستقر بلغ 9,6 في المائة، وهو مستوى يعكس قدرة القطاع على التكيف مع التقلبات وتدبير المخاطر الهيكلية.
وتأتي هذه المعطيات في وقت يشهد فيه قطاع التأمين المغربي تطورات مهمة، سواء على مستوى توسع محفظة التأمينات أو على مستوى التنويع في المنتجات. وتشير بيانات هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي إلى أن أقساط التأمين الإجمالية ارتفعت في السنوات الأخيرة، لتصل إلى أكثر من 57 مليار درهم سنة 2023، بفضل النمو المطرد في التأمين على الحياة والتوسع في التأمينات المرتبطة بالصحة والتقاعد.
ويوفر قطاع التأمين في المغرب مساهمة مباشرة في الاقتصاد الوطني، ليس فقط عبر مساهمته في الناتج الداخلي الخام، ولكن أيضًا عبر دوره المركزي في تعبئة الادخار وتوجيهه نحو الاستثمار، من خلال مساهمته الكبيرة في السوق المالي. وقد تجاوزت استثمارات شركات التأمين، وفق آخر التقارير الرسمية، عتبة 200 مليار درهم، تركز جزء كبير منها في سندات الخزينة والأسهم المدرجة في بورصة الدار البيضاء.
وتبذل السلطات التنظيمية والرقابية جهودًا متواصلة لضمان استقرار القطاع وتعزيز متانته. وتعمل هيئة مراقبة التأمينات على تتبع المخاطر المرتبطة بالقطاع، سواء منها تلك المتعلقة بالتغيرات الاقتصادية أو بالتحول الرقمي، وتؤكد باستمرار على أهمية تعزيز قواعد الحكامة والمراقبة الداخلية لدى الشركات الفاعلة، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع على الصعيد الدولي.
في المحصلة، يُظهر التقرير أن قطاع التأمين بالمغرب يواصل تحقيق نتائج مالية مشجعة، رغم بعض التحديات التقنية، مستفيدًا من استقرار السوق المالية ونجاعة السياسات التنظيمية، وهو ما يعزز موقعه كأحد أعمدة المنظومة المالية المغربية، ويؤهله للعب دور أكبر في تمويل الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة.