يسير المغرب نحو تنزيل منظومة انتخابية جديدة، تنسجم مع التحولات التي عرفها ويعرفها وسيعرفها المغرب، واستجابة للأوامر الملكية، التي وجهها إلى الحكومة عبر تكليف وزير الداخلية بفتح حوار مع الأحزاب السياسية، وذلك في إطار المقاربة التشاركية، التي ارتضاها المغرب كوسيلة للتوافقات السياسية الكبرى وفي إطار إنجاز القوانين التنظيمية بخلاف نهج الحكومة الإقصائي.
الانتخابات المقبلة موكول لها السهر على تنفيذ الإرادة الملكية، التي عبّر عنها خلال خطاب العرش، حيث تحدث جلالته عن ضرورة إحداث نقلة نوعية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، ودعا جلالته إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة، حتى تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء.
الحكومة الحالية، التي لم يبق في عمرها الكثير، والحكومة المقبلة، هي حكومة من واجبها اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدإ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف دون القطع مع النموذج السابق في الانتخابات؟ المغرب اليوم وغدا محتاج لنموذج جديد مختلف عن سابقيه. فبعد 12 ولاية تشريعية أي أكثر من 60 سنة من العمل البرلماني نجد أنفسنا أمام غياب النموذج المغربي في الانتخابات.
المغرب اليوم مجتمع متعلم ولا يمكن سحب هذه الصفة لوجود شكل من أشكال الأمية في المجتمع. لكن إذا وجد فينا متعلمون فكيف يقوم مقامهم غير المتعلمين؟ النموذج الانتخابي السابق فرض الشهادة الابتدائية لمن يتولى رئاسة الجماعة، ولم يشترط أي شرط تعليمي للمرشحين للجماعات والبرلمان.
لابد من مساءلة الكائن الحزبي أيضا عن دوره في هذا السياق، باعتباره هو المسلك الذي تخرج منه النخب، التي يقدمها للمجتمع، وإذا كان قانون الأحزاب الحالي يتوفر على نوع من الجودة التشريعية يمكن تحسينه أكثر، حتى يتم قطع الطريق أمام الانتفاعيين والانتهازيين والكائنات الانتخابية، التي تظهر وتختفي عند كل محطة واستحقاق تشريعي.
ولابد أيضا من إنجاز قوانين انتخابية تساهم في تجاوز المرحلة وتعكس الإرادة السياسية لجلالة الملك وتعكس توجهات الشعب المغربي، الذي سئم من نماذج انتخابية لا تخدم إلا مصالح شخصية.
ولهذا لابد من التنصيص على عقوبات صارمة وقاسية جدا في حق كل من سولت له نفسه استعمال المال الحرام في الانتخابات بأي شكل من الأشكال، فلا يعقل أن موظفا إذا اتهم بالتزوير يمكن أن تصل العقوبة التي ينالها إلى المؤبد بينما مستعمل المال الحرام في إفساد الاستحقاق التشريعي قد ينال السراح المؤقت ويحكم عليه بغرامة أو بضعة أشهر.
العقوبات ضرورة رادعة لهذا لا يمكن الاستهانة بدورها التربوي في الحد من ظاهرة إفساد الانتخابات وإغراقها بالكائنات الانتخابية، كما يلزم أيضا اشتراط مستوى تعليمي جيد من أجل الترشيح لأنه لا يعقل أن يقوم بالتشريع أميون وضعيفو التعليم أو يسير الجماعات الترابية من لا علم له.