كشفت تقارير رفعت من أقسام الشؤون الداخلية بالعمالات إلى المصالح المركزية لوزارة الداخلية عن معطيات بالغة الحساسية، وضعت عدداً من المنتخبين في قلب دائرة الاشتباه، بعد رصد تحركات غير معتادة في مجال أشغال الطرق والتزفيت. هذه التقارير أظهرت أن منتخبين في جماعات ترابية بعدة جهات، من بينها الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، فاس-مكناس، وبني ملال-خنيفرة، انخرطوا خلال الأسابيع الأخيرة في جلب كميات من الزفت من مقاولات تعمل في مشاريع داخل نفوذهم الترابي، لتنفيذ عمليات ترقيع في أزقة وشوارع محددة بدقة داخل دوائرهم الانتخابية.
و نبهت التقارير الى ان المثير في هذه التحركات جرت في مناطق تعتبرها هذه الوجوه السياسية “خزانات انتخابية”، ما جعل التقارير تربط مباشرة بين ما يجري والاستعداد المبكر لانتخابات 2026. عمليات النقل تمت على عجل، مستخدمة آليات وشاحنات جماعية، فيما أشارت المعطيات إلى أن الإصلاحات كانت انتقائية، شملت نقاطاً بعينها وأهملت أحياء بكاملها، وكأن خريطة الأشغال مرسومة على قياس حسابات صناديق الاقتراع.
و اشارت الى المعلومات المتسربة من هذه التقارير دفعت وزارة الداخلية إلى التحرك، عبر التخطيط لعمليات افتحاص مالي وتقني لصفقات وطلبات عروض مرتبطة بتهيئة الطرق، وذلك بواسطة لجنة تفتيش مركزية. هذه الخطوة تأتي بعد شكايات رسمية من مقاولين في قطاع الأشغال العمومية، تحدثوا عن ضغوط مورست عليهم من قبل منتخبين لتسليم الزفت وتخصيص فرق عمل لإنجاز أشغال ترقيعية دون أوامر خدمة أو سند قانوني، في خرق واضح لمساطر الصفقات العمومية.
و اكدت ان التحقيقات المرتقبة ستشمل جماعات بضواحي الدار البيضاء، وعلى رأسها إقليم برشيد، الذي أضحت بعض جماعاته ساحة مفتوحة لفوضى التزفيت والبرمجة غير المتوازنة. وفق المعطيات نفسها، لا يقتصر الأمر على الاستغلال الانتخابي المحتمل، بل يمتد إلى مصالح مالية متشابكة، إذ تدر هذه المشاريع أرباحاً ثابتة على شركات بعينها، بعضها يحظى بوضع “المحظوظ الدائم” في الفوز بالطلبيات، مستفيدة من فوائض الميزانيات والمنح السنوية.
و اضاف التقرير ان أكثر ما يثير التساؤل أن بعض الدوائر الحضرية استفادت من برامج للتزفيت مرتين في فترة زمنية قصيرة، رغم أن الأشغال السابقة كلفت ملايين الدراهم. في بعض الحالات، أعادت مكاتب مسيرة برمجة نفس المقاطع الطرقية، بل خصصت اعتمادات ضخمة لإزالة زفت جديد نسبياً وتعويضه بآخر، في خطوة غير مبررة اقتصادياً ولا فنياً.
و كشفت التقارير، عن اختلالات هيكلية في الصفقات المنجزة، من بينها التساهل في احتساب الكميات المنجزة مقارنة بما هو منصوص عليه في دفاتر التحملات، واستخدام مواد أقل جودة من المواصفات المتفق عليها، خاصة في تبليط الأرصفة حيث انهارت قطع الزليج بسرعة أمام حركة المرور والأمطار. الصورة العامة التي ترسمها هذه المعطيات هي خريطة أشغال تتحرك وفق بوصلة سياسية وانتخابية، تمنح الأولوية لمعاقل انتخابية لرؤساء جماعات، بينما تظل أحياء أخرى مهمشة، ومشاريعها متعثرة، خصوصاً تلك الواقعة في مناطق المعارضة.