تعيش الساحة السياسية المغربية على وقع حراك واسع بين مختلف الأحزاب، الممثلة منها في البرلمان وغير الممثلة، استعدادا لصياغة مذكراتها النهائية حول الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها سنة 2026، في ظل توافق عام على ضرورة إصلاح المنظومة الانتخابية وتعزيز شفافيتها ونزاهتها. هذه المذكرات التي سترفع إلى وزارة الداخلية قبل متم شهر غشت الجاري، تنطلق من قناعة مشتركة لدى الفاعلين السياسيين بوجوب تجاوز أعطاب التجارب السابقة، ومعالجة إشكاليات المال الانتخابي، وضعف التمثيلية النسائية والشبابية، وهيمنة الأعيان على الترشيحات، مع التركيز على اعتماد البطاقة الوطنية للتصويت بدل التسجيل المسبق في اللوائح الانتخابية، وملاءمة التقطيع الانتخابي مع المستجدات الديمغرافية، فضلا عن الدعوة إلى الانفتاح على الرقمنة في إدارة العملية الانتخابية.
و باشر حزب العدالة والتنمية، منذ أسابيع مشاورات داخلية موسعة مع هياكله ومنظماته الموازية، بهدف صياغة مذكرة تعكس تصوراته لتخليق الحياة السياسية وتجديد آليات الاقتراع. الحزب يركز على حماية أصوات المواطنين وضمان جدية المترشحين، مع تعزيز حضور الكفاءات في مجلس النواب، وإعادة النظر في التقطيع الانتخابي بما يحقق التوازن بين الدوائر الكبرى والصغرى. كما يساند الحزب تجاوز شرط التسجيل في اللوائح الانتخابية، واعتماد البطاقة الوطنية كأساس للتصويت، إلى جانب إدخال التكنولوجيا عبر المحاضر الإلكترونية لتسريع وضبط العملية الانتخابية.
و جدد الحزب الاشتراكي الموحد مطلبه التاريخي بإحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، بديلا عن وزارة الداخلية، معتبرا أن التجارب السابقة أثبتت عدم حيادها. ويصر الحزب على حذف اللوائح الانتخابية التي يراها أداة لإقصاء ملايين المغاربة من التصويت، والاكتفاء بالبطاقة الوطنية، مؤكدا أن الظرفية السياسية الحالية تمثل فرصة سانحة لتحقيق هذا المطلب، وقطع الطريق أمام ما يصفه بـ”التحكم” في المسار الانتخابي.
أما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فيتجه نحو صياغة مذكرة تدعو إلى منظومة انتخابية نزيهة وشفافة، عبر إعادة النظر في التقطيع الانتخابي، وتقليص عدد مكاتب التصويت لتسهيل تغطيتها من طرف الأحزاب، واعتماد البطاقة الوطنية بدل التسجيل في اللوائح، مع محاربة المال الانتخابي، وتحفيز النساء والشباب على الانخراط السياسي.
و انخرط حزب الأصالة والمعاصرة بدوره في النقاش ذاته، مع إصرار على دعم التمثيلية النيابية للنساء والشباب، وملاءمة التقطيع الانتخابي مع نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، وتشجيع الكفاءات على خوض غمار الانتخابات لتحقيق توازن مع حضور الأعيان.
من جهته حزب الاستقلال، ناقش رفع التمثيلية النسائية، وإشراك الكفاءات وفق معايير دقيقة، مع إمكانية الرفع من عدد أعضاء مجلس النواب، وفتح ملف التمويل العمومي للأحزاب وإعادة النظر في التقطيع الانتخابي بما يعزز المشاركة السياسية ويحد من العزوف.
و تسعى الأحزاب غير الممثلة في البرلمان بدورها لتقديم مقترحات تلتقي مع باقي الأحزاب في الدعوة إلى اعتماد البطاقة الوطنية كأداة وحيدة للتصويت، وضمان المساواة في الولوج إلى الإعلام العمومي خلال الحملات الانتخابية، ومراجعة الدعم العمومي، وتشديد المراقبة على المال الانتخابي.
وسط هذه الدينامية، تتجه كل الأنظار إلى وزارة الداخلية التي فتحت باب المشاورات بتعليمات ملكية، مع التزام بمراجعة النصوص المنظمة قبل متم السنة الجارية، في أفق الوصول إلى محطة 2026 بمنظومة انتخابية أكثر مصداقية، تعكس إرادة الناخبين وتعيد الثقة إلى العملية السياسية.