هناك عبارة عند الصوفية تصلح لغير المتصوفة، تقول “التخلية قبل التحلية”، أي لابد من تصفية النفس من الشوائب العالقة بها قبل التحلي بأخلاق “أهل الله”، وهي قاعدة تنطبق على كل المجالات، إذ لا يمكن تنزيل أمور جديدة وقوانين ذات مصداقية دون تصفية الأجواء العامة، التي فيها يتم تنزيل هذه القوانين.
نحن مقبلون على الانتخابات العامة، وشرعت وزارة الداخلية في إجراء استشارات مع الأحزاب السياسية باعتبارها الفاعل الأساسي في العملية الاقتراعية، والحديث يدور اليوم حول الترسانة القانونية، التي يلزم التواضع عليها بين جميع الأطراف حتى تمر الانتخابات في أجواء شفافة نحن في حاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.
لكن ما لا ينبغي تفادي النقاش حوله هو الظاهرة التي تفسد أجواء الانتخابات مهما علت القوانين، ويتعلق بـ”سوق التزكيات”، ولا نتورع في القول إنها سوق للبيع والشراء، وهذا لا يعني أنه لا توجد بعض الهيئات أو جزء منها على مستوى الجهات تعتمد أدوات ديمقراطية لاختيار المرشحين، لكن في الأغلب الأعم المعيار السائد في التعامل مع التزكيات هو معيار “الدكاكين”.
خلال التفكير في القوانين الجديدة المنظمة للانتخابات والمتعلقة بها، ليس عيبا التفكير في الحرب على هذه الظاهرة، ودون ربح معركة القضاء على “بيع التزكيات” لن نتحدث عن ربح معركة الديمقراطية في شقها الانتخابي، وبما أنه لكل ظاهرة مخرج قانوني يمكن لفقهاء القانون البحث لها عن حل جذري أو على الأقل للتخفيف منها.
في واحدة من المبادرات، التي لا يؤطرها القانون، ولكن تؤطرها السلطة الممنوحة للجهة المشرفة على الانتخابات، تم تسريب كلمة مهمة وهي عدم السماح للمتابعين قضائيا بالترشح للانتخابات، فرغم أن القانون يبيح لهم ذلك ولكن لسلطة الإشراف تقديرات أخلاقية تلجأ إليها تصفية للمشهد السياسي العام من الشوائب.
إذا كان الأمر كذلك، فالتفكير القانوني في محاربة بيع التزكيات عملية ممكنة، لكن قبلها لابد من مناقشة ظاهرة الأحزاب “الدكاكين” ونقصد بها تلك الأحزاب، التي تظهر وتختفي قبيل وبعيد الانتخابات، حيث تكتري “كاراجات” لتجعل منها مقرات دورها فقط البحث عن الراغبين في التزكية أو تنتظر من لا تزكية له ويستعد لدفع مبالغ مالية طائلة من أجلها.
وتضاف إلى هذه الظاهرة ترشيح الأعيان، الذين يفوزون بالمقعد بغض النظر عن اللون الذي يرتدون أو الشعار الذي يحملون، وبالتالي هم ليسوا موضوع منافسة انتخابية مهما كانت النتائج السابقة لولايتهم، حتى لو كانت تحت الصفر يعاد انتخابهم، وهذه الظاهرة بقدر ما تستحق النظر في تداعياتها، يلزم أن ينظر إليها من جانب الأخلاق السياسية للأحزاب السياسية.
إعادة النظر في الحزب السياسي ضرورية للغاية، لأنه خدمة للوطن وليس للأشخاص وبالتالي التفكير في عدد المقاعد دون النظر إلى طبيعتها هو مضر بالوطن لأنه يجلب أشخاصا للمجالس المنتخبة في غير مستوى.