ليس دور الأحزاب السياسية هو المشاركة في الانتخابات فقط، لكن يمنحها المشرع دورا كبيرا في تأطير المواطنين، بل في الإعداد والمساهمة في إنجاح العملية السياسية برمتها، وفي هذا الصدد هي مطالبة بتقديم أوراق وتصورات حول العملية الانتخابية بدءا من القوانين، التي سيتم تعديلها أو إنجازها، مرورا بروح الانتخابات وكيف تنظر إليها؟
سؤالنا: هل تتوفر الأحزاب على تصورات للعملية الانتخابية؟ ما هو مفهومها للانتخابات؟ أي فكرة تحمل عن هذه العملية؟
لنتصور أن وزارة الداخلية طرحت سؤالا على الأحزاب السياسية: ما هي الانتخابات؟ بهذا الشكل البسيط يمكن أن تحرج الأحزاب السياسية، لأنه سؤال يتعلق بأصل وجودها. الأحزاب السياسية كلها ولدت من أجل المشاركة في الانتخابات بمن فيها تلك التي تقاطعها. لأنها لا ترفض الانتخابات لوكن ترفض شكلها كما تقول.
لهذا سؤال: ما هي الانتخابات؟ يمس جوهر وجود الأحزاب السياسية، التي ربما لم تطرحه على نفسها.
كل اهتمام الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات يرتكز على كيفية إدارة العملية، وأساسا “التهافت” على الأعيان والشخصيات التي تضمن مقعدا برلمانيا، وذلك قصد تعزيز الوجود داخل قبة البرلمان.
في إطار الالتزام بالقوانين الجاري بها العمل يبقى من حق أي حزب سياسي أن يكون له طموح يرتبط بعدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها خلال العملية الانتخابية، باعتبار الأرقام هي التي تحكم العملية التفاوضية من أجل المشاركة في الحكومة أو قياداتها، وهي أيضا التي تعطي للمعارضة فاعليتها.
لكن حصر عمل الحزب ونشاطه كله في البحث عن وجوه قادرة على ولوج المؤسسة التشريعية مهما كان مستواها، لهو ضرب من العبث بمؤسسة دورها أكبر من ذلك: الرقابة على المؤسسة التنفيذية، أي الحكومة، والممارسة في التشريع.
لا يمكن أن يكون الحزب فاعلا سياسيا إن اقتصر أمره على اختيار شخصيات وفق تصوره ليملأ بياض لوائحه.
الحزب أكبر من ذلك، وأي حزب لا يتوفر على تصور سياسي متكامل لا يحمل من الحزب إلا رسمه ومن السياسة إلا اسمها.
التصور السياسي ينطلق من تحديد مفهوم الحكومة التي يريدها الحزب السياسي، فالدستور وضع الإطار العام والعنوان الكبير للحكومة، لكن الأحزاب السياسية يمكن أن تكون لها رؤية مختلفة، وهي التي تصنع التميز وإلا ستكون الانتخابية تدوير للنخب وعبث في صرف المال العام.
لابد أن يتوفر الحزب على تصور للمشهد السياسي، وإلا فإنه سيصطدم بمنافسيه السياسيين، لهذا تحول السياسي إلى مجرد علاقات تبعية لحزب كبير أو علاقات تصادمية تعتبر الآخر خصما.
ولابد للحزب السياسي من أن يتوفر على تصور للعملية الانتخابية، ولا فائدة من مذكرات الأحزاب السياسية إن لم تقدم تصورا مختلفا، يكون قادرا على صناعة مشهد بالاستطاعة تنزيله على أرض الواقع.
الحزب السياسي قوة اقتراحية وليس وعاء لتفريخ “نخب” لا تمثل إلا نفسها.