إقرار مجلس الأمن بالحكم الذاتي يبعثر أوراق الجزائر والبوليساريو

تعيش أروقة الأمم المتحدة على وقع حالة من الهدوء الحذر والمراقبة الدقيقة، في انتظار نتائج المشاورات النهائية قبيل التصويت المرتقب يوم 30 أكتوبر الجاري داخل مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأمريكي المتعلق بملف الصحراء المغربية، وما يتضمنه من توجيهات تخص مستقبل بعثة “المينورسو” وسبل تدبير النزاع الإقليمي المفتعل بين المغرب والجزائر. هذا الهدوء يعكس، وفق المراقبين، رغبة المجتمع الدولي في تمرير القرار في أجواء توافقية، بعيداً عن التوتر أو المناورات السياسية التي دأبت أطراف معينة على افتعالها.
وجاءت هذه التطورات بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية المكثفة قادتها واشنطن بصفتها صاحبة القلم في كل ما يخص بعثة المينورسو، إذ وزعت في 22 أكتوبر الجاري المسودة الأولية لمشروع القرار، تلتها اجتماعات مغلقة للجنة الخبراء بمجلس الأمن يوم 24 أكتوبر لمراجعة الصيغة النهائية والتعديلات التقنية الممكنة. ورغم محاولات بعض المنابر الإعلامية الموالية للنظام الجزائري وصنيعتها “البوليساريو” إثارة البلبلة ونشر تأويلات مضللة حول فحوى المشروع الأمريكي، فإنها لم تنجح في زعزعة الثقة داخل أروقة المنظمة الدولية ولا في التأثير على المسار الدبلوماسي القائم.
في هذا السياق، عبّر مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية عن تفاؤله بشأن قضية الصحراء، مبرزاً أن المملكة المغربية أبدت استعداداً حقيقياً للتوصل إلى حل نهائي وسريع، وأن الجزائر بدورها منفتحة على نقاش بنّاء يهدف إلى إنهاء هذا النزاع الطويل الأمد. وأوضح أن الإدارة الأمريكية تعمل مع جميع الشركاء والحلفاء، ولا سيما المغرب والجزائر، للتوصل إلى قرار يرضي الجميع قدر الإمكان، مع الحفاظ على الموقف الأمريكي الثابت الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ضمن إطار الحكم الذاتي، الذي تعتبره واشنطن الحل الواقعي والأنسب.
ويُنتظر أن يحظى القرار الأمريكي بتأييد واسع داخل مجلس الأمن، إذ يتوقع أن تلتزم موسكو بموقفها التقليدي المتحفظ أو الامتناع عن التصويت دون اللجوء إلى “الفيتو”، خاصة أن الملف لا يمثل أولوية استراتيجية لها في الوقت الراهن. ويعتبر هذا التوجه مؤشراً على وجود إجماع دولي ضمني يميل إلى دعم المقترح المغربي كحل وحيد واقعي ودائم للنزاع، وهو ما يكرس التحول الملحوظ في المواقف الدولية خلال السنوات الأخيرة.
من جانبه، أكد أحد أعضاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية أن المشاورات داخل مجلس الأمن تتم في أجواء مغلقة وسرية بين الأعضاء، خصوصاً الدائمين منهم، بهدف التوصل إلى صيغة نهائية متوافق عليها، مشيراً إلى أن التعديلات المحتملة “لن تمس جوهر المسودة التي ترتكز على قرارات المجلس السابقة، مع التركيز في فقراتها الأساسية على الحكم الذاتي كإطار وحيد للتسوية”. وأضاف أن المسودة تدعو الأمين العام ومبعوثه الشخصي وبعثة المينورسو إلى توجيه الجهود نحو تفعيل هذا الإطار السياسي، مبرزاً أن هذا التوجه يتطابق تماماً مع الموقف الأمريكي الجديد.
وأكد أن القرار سيُمرر على الأرجح وفق “المسطرة الصامتة” كما حدث في قرارات سابقة، أي دون نقاش علني مطول، ما يعكس وجود توافق ضمني بين أعضاء المجلس حول المضمون العام للمسودة. كما شدد على أن امتناع روسيا عن التصويت أو تحفظ الجزائر لن يعرقل تمرير القرار، لأن “القضية اليوم وصلت إلى مرحلة من النضج السياسي تجعل الحل المغربي أكثر إقناعاً من أي وقت مضى”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن الأمم المتحدة والقوى الكبرى باتت تعتبر إطالة أمد النزاع سبباً مباشراً في استمرار حالة الجمود التي تعيق التنمية بالمنطقة، مؤكداً أن تجارب الماضي، خاصة فترات الفراغ بين استقالة المبعوثين الأمميين وتعثر المفاوضات، أظهرت أن إدارة الأزمة لم تعد خياراً قابلاً للاستمرار. وأوضح أن الولايات المتحدة ترى أن وجود بعثة المينورسو في شكلها الحالي لم يعد مجدياً من الناحية العملية، ما يستوجب الدفع نحو حل دائم يضع حداً لهذا الملف.
كما أبرز أن تغير مواقف بعض القوى الدولية، بما فيها روسيا، يعكس وعياً متنامياً بأن الواقع على الأرض تغيّر، وأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية أضحت الإطار الأنجع لتسوية النزاع، مضيفاً أن الأحداث المتسارعة في منطقة الساحل والصحراء جعلت القوى الكبرى تميل إلى إنهاء بؤر التوتر غير المجدية، وفق منظور جديد قائم على الاستقرار والتنمية بدل النزاع المفتعل.
ويرى المراقبون أن إقرار مجلس الأمن المنتظر لمسودة القرار الأمريكي سيشكل محطة مفصلية في مسار تسوية قضية الصحراء المغربية، إذ سيكرس من جديد وجاهة مقترح الحكم الذاتي كمرجعية أممية وحيدة للحل، ويؤكد أن المجتمع الدولي يتجه تدريجياً نحو تجاوز الطروحات الانفصالية التي فقدت كل مصداقية. كما أن هذا التوافق الأممي يعكس نجاح الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، في ترسيخ رؤية واقعية تقوم على السلم والتنمية الإقليمية، مما بعثر أوراق خصوم الوحدة الترابية وأعاد توجيه النقاش الدولي نحو جوهر الحل المنطقي والعملي للنزاع.