فجرت جلسة برلمانية سيلا من النقد والاتهامات تجاه البامج الحكومية الفلاحية من عهد وزير الفلاحة عزيز اخنوش الى اليوم مع تراس عزيز اخنوش الحكومة، حيث وجهت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، انتقادات لاذعة لبرنامج “الجيل الأخضر” الذي أطلقته الحكومة الحالية، معتبراً أنه تحول إلى شعار أجوف لا أثر له في حياة الفلاحين الصغار، الذين ما زالوا يعيشون تحت وطأة الهشاشة، رغم مرور أكثر من عقد على إطلاق مخططات زراعية كبرى وعدت بتحقيق العدالة المجالية والازدهار الفلاحي.
وقالت المجموعة خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بمجلس النواب، إن “الجيل الأخضر” لم يأتِ بجديد سوى إعادة إنتاج نفس المنطق الذي حكم “المخطط الأخضر”، مؤكدة أن الفلاح الصغير تُرك وحيداً في مواجهة الجفاف، وتغيرات السوق، وارتفاع أسعار الأسمدة والبذور، بينما تستفيد “الحيتان الكبرى” من الامتيازات والدعم الموجه للقطاع. وأضافت أن “الشعارات البراقة لا تطعم خبزاً، والبرامج التي لا تصل إلى حقول الفلاح البسيط ليست سوى دعاية سياسية”.
وأوضح النائب البرلماني عن المجموعة، أن المشاريع الزراعية المهيكلة التي تم تسويقها إعلامياً لم تخلق فعلاً طبقة فلاحية متوسطة كما وُعد بها، بل ظلت الثروة الفلاحية مركزة في أيدي فئة محدودة من كبار المستثمرين، ما جعل الفوارق المجالية والاجتماعية تتعمق أكثر في العالم القروي. وأشار إلى أن “الجيل الأخضر” يفتقر إلى روح اجتماعية واضحة، إذ لم يتم وضع آليات حقيقية لقياس أثره على الأسر القروية أو على تحسين مداخيل الفلاحين الصغار.
ويرى مراقبون أن انتقادات العدالة والتنمية تعكس خيبة أمل واسعة في الأوساط الفلاحية، بعد فشل برامج متتالية في تحقيق أهداف التنمية الزراعية المستدامة بالمغرب. فمخطط “المغرب الأخضر”، الذي أطلق سنة 2008، رُوّج له كخطة ثورية للنهوض بالقطاع، غير أن تقارير المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للحسابات كشفت لاحقاً عن محدودية نتائجه، خاصة فيما يتعلق بتحسين دخل الفلاح الصغير وتحقيق الأمن الغذائي. وقد أظهر تقييم رسمي أن أكثر من 70 في المائة من الدعم الموجه للفلاحة استفادت منه أقل من 20 في المائة من المستثمرين، ما جعل العدالة في توزيع الموارد غائبة تماماً.
وتشير المعطيات إلى أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في المغرب ما زالت تعتمد على الأمطار، في حين يعاني مئات الآلاف من الفلاحين من ندرة المياه، وتراجع مردودية الإنتاج بسبب الجفاف المتكرر. وفي المقابل، تُوجّه الاستثمارات الضخمة نحو مشاريع تصديرية كزراعة الطماطم والأفوكادو والفواكه الحمراء، وهي منتجات تستهلك كميات كبيرة من المياه وتُوجّه أساساً للأسواق الأوروبية، بينما يبقى السوق الداخلي يعاني من الغلاء ونقص العرض.
وفي هذا السياق، تساءلت المجموعة مستنكرة “كيف يُعقل أن نصدر الطماطم والأسماك إلى الخارج بينما المواطن المغربي يعاني في الداخل من غلائها؟ كيف نتحدث عن أمن غذائي والقدرة الشرائية تنهار أمام أسعار الخضر والحبوب؟”. وأضافت أن الفلاح الصغير يعيش اليوم “حصاراً مزدوجاً” بين تقلبات المناخ وغلاء مستلزمات الإنتاج، مشيرة إلى أن عدداً متزايداً من الفلاحين مهددون بفقدان أراضيهم بسبب المديونية وعجزهم عن سداد القروض البنكية.
وبحسب المعطيات الرسمية، فقد ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة تفوق 60 في المائة خلال السنتين الأخيرتين، فيما تضاعفت تكلفة السقي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، في وقت لم يتم فيه تفعيل آليات دعم فعالة للفلاحين المتضررين. كما أن ضعف البنية التحتية للأسواق القروية وصعوبة الولوج إلى التمويل يجعل آلاف التعاونيات الصغيرة غير قادرة على الصمود أمام منافسة المستثمرين الكبار.
ويرى خبراء في الاقتصاد الفلاحي أن فشل هذه المخططات يعود إلى غياب رؤية اجتماعية واضحة، إذ ركزت على الإنتاج والتصدير أكثر مما ركزت على التنمية القروية المتوازنة. فالبرامج السابقة، وعلى رأسها “المغرب الأخضر”، لم تُحدث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد الفلاحي، ولم تُسهم في تقليص الفقر القروي أو تحسين ظروف العيش في العالم القروي.
كما أن التحولات المناخية الحادة التي يعرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة، من جفاف طويل إلى تراجع التساقطات، كشفت هشاشة المنظومة الزراعية الوطنية التي لم تُبنَ على أسس مستدامة. فالمخططات الزراعية لم تدمج بشكل فعّال مقاربة الاقتصاد المائي ولا استراتيجيات التكيّف مع الجفاف، رغم أن الزراعة تستهلك أكثر من 85 في المائة من الموارد المائية الوطنية.
وجاء في مداخلة المجموعة ، بالتأكيد على أن “الجيل الأخضر” لن ينجح ما لم يُوجَّه نحو العدالة الاجتماعية والمجالية، ويمنح الفلاح الصغير ما يستحقه من دعم ومواكبة، داعياً الحكومة إلى مراجعة شاملة لسياساتها الفلاحية، وإلى القطع مع منطق الامتيازات الذي جعل القطاع رهينة بيد كبار المستثمرين. وقالت “لا يمكن الحديث عن سيادة غذائية في ظل هذا التفاوت الصارخ بين من يملك الأرض والموارد ومن يملك فقط معاناة الجفاف”.







