قبل أن نقول إنه من غير اللائق أخلاقيا وسياسيا أن يهاجم حزب التجمع الوطني للأحرار، من خلال بلاغ مكتبه السياسي، وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، الذي يعتبر عضوا بالصفة في المكتب السياسي، نقول إنه من غير المفهوم أن تدافع أحزاب الأغلبية الحكومية، وحتى رئيس فريق التجمع بمجلس النواب، عن الوزير بينما هاجمه الحزب الذي ينتمي إليه.
المفارقة هنا أن المكتب السياسي انتقد بنشعبون عبر بوابة قانون المالية التعديلي، الذي تضمن مطالب الحزب، كما أن هذا القانون، الذي فرضته حالة الطوارئ الصحية وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني تم إعداده بشراكة بين جميع الفرقاء، سواء تعلق الأمر بالأغلبية الحكومية أو من خلال الاستماع لكافة الوزارات واحتياجاتها قصد تعديل القانون وفق رؤية التقشف التي لا يمكن تفاديها في ظل انكماش الاقتصاد الوطني.
لسنا في وارد الدفاع عن قانون المالية التعديلي، وقد سبق أن انتقدنا كثيرا مما ورد فيه، ولكن الأمر يتعلق هنا بالعبث السياسي، الذي سيزيد الأمور غموضا ويدفع إلى مزيد من العزوف السياسي، وإلى مزيد من تخريب المشهد السياسي، حيث يلعب الحزب على حبلين، واحد في الحكومة وواحد في المعارضة، وهي القصة التي انتقدناها كثيرا في حزب العدالة والتنمية، الذي يقود التحالف الحكومي، منذ رئاسته للحكومة سنة 2011 وإلى الآن.
الوزير ينتمي للحزب، وأن تكون بين قيادات الحزب خلافات، هذا شأن لا يهم المواطن، وهو أمر داخلي من اختصاص أجهزة الحزب، لكن في الحكومة الوزير يمثل حزبه، وبالتالي في نظر الجميع أنه يدافع عن أطروحاته، وبالتالي قبيل صدور القرارات يكون الوزير مدافعا عن حزبه ويكون الحزب مدافعا عنه وبعد صدورها يصبح مدافعا عن الحكومة والحزب مدافعا عن الأغلبية.
أي مصداقية ستبقى للعمل السياسي، الموسوم بالفشل، لما نرى أن حزبا يهاجم وزيرا ينتمي إليه، لا لوجود خلافات عميقة ولكن لوجود خلافات ربما شخصية؟ كيف سنثق في العمل السياسي وقانون المالية تضمن كل ما رغب فيه التجمع ثم عارضه في بلاغ رسمي؟
ما وقع لا يمكن وصفه سوى بالعبث السياسي، الذي يعبر عن تخبط حزب التجمع الوطني للأحرار في مشاكله الداخلية في زمن أصبحنا على مقربة من الانتخابات، حيث يفرض المنطق دخولها بأحزاب قوية وتشكيلات لها رؤية، فكيف سيدخلها التجمع بقيادة مشتتة تهاجم وزيرا ينتمي إليها؟
نسي أخنوش وهو يصدر البلاغ الأعجوبة أو من أوحى به أن الهجوم على بنشعبون لن يضره وحده وإنما سيضر الحزب. فالوزير يمثل الحزب وإذا قال أخنوش إنه فقط منحه المظلة السياسية فهو أيضا جاء للحزب بالمظلة السياسية وأصبح رئيسا له وكذلك الشأن بالنسبة لصلاح الدين مزوار، وبالتالي فإن هذه الطريقة في الحجاج غير مجدية نهائيا.
ما معنى أن تدخل المعركة مع وزير ينتمي لحزب بخطاب لا ينتمي للتجمع الذي حسم خياره في الدفاع عن الليبرالية الاقتصادية؟