أحيان يكون مفهوم “اليد الخفية”، كما طوّره آدم سميت في كتابه ثروة الأمم بعد أن انتزعه من مجال الألعاب السحرية، هو أداة التغطية على الجشع الاقتصادي..قال بأنه على الحكومات أن تترك التجار ينافسون بعضهم البعض وبالتالي سيتطور الجميع وكأن يدا خفية تدير هذا الأمر..اليد الخفية ستعيد توزيع الخير الذي سيعم الجميع.
لكن ظهر أن “اليد الخفية” تخدم تركيز الربح في يد واحدة، وأن الخسارة لا تؤديها سوى الحلقات الضعيفة. العمال والمستهلكون.
وكان كارل ماركس انتبه في كتابه العمدة “الرأسمال” إلى أن المنتجين، وقت الأزمات أو في حال الاضطرار إلى خفض الأسعار، يقومون بخفض تكاليف الإنتاج.
خفض تكاليف الإنتاج تشمل مناحي كثيرة. منها تخفيض الرواتب للعاملين أو بعضهم. ومنها تخفيض عدد العاملين. ومنها التقتير في توفير وسائل إنتاج جيدة، وقد يتم توفيرها ضمانا لسير العملية الإنتاجية، لكن دون توفير وسائل الحماية.
وسائل الحماية والوقاية من الأمراض من ضرورات الشغل في الزمن العادي، وتصبح أكثر أهمية زمن الأزمة. لكن الاقتصاد الجشع يدفع صاحبه إلى البحث عن ادخار مزيد من المصاريف، لتعويض الخسارة في الإنتاج..وغياب وسائل الوقاية يعني تعريض العاملين للهلاك. وهناك تنقلب الآية ولن يعم الخير ولن “تتضافر الجهود الفردية في المصلحة الجماعية” بتعبير سميت ولكن سيتم تعميم الفيروس بالتساوي.
الفيروس موجود في كل مكان. والمغاربة اتخذوا أسلوب المقاومة الصامته ضده. ثلاثة أشهر في البيوت متحملين الحاجة والندرة. كانت النتائج جيدة لكن جاء من يخرب العرس في ثلاثة أيام. إنهم أصحاب المعامل والوحدات الإنتاجية. منهم من لا يميز بين الدورة الاقتصادية وتدوير الإنسان في طاحونة الخبز الممزوج بالتراب. الدورة الاقتصادية انطلاق من الأزمة نحو آفاق أخرى وتحويل الأزمة إلى فرصة..
للفيروس أشقاء، ويا للصدفة الغريبة، ليسوا من جنسه. أشقاء هم الجشع الاقتصادي. نصف المصابين اليوم من المنتمين للوحدات الإنتاجية والصناعية. وهم الاستخفاف بالإجراءات وشروط التباعد الاجتماعي. وله أشقاء آخرون منهم الظاهر والخفي، ومنهم من يقتل أكثر من الفيروس.
ينطبق علينا اليوم المثل القائل “اللي حرثو الجمل دكو”..الحرث تم زمن الحجر المنزلي. قد لا يفهم الاقتصاد الجشع معنى أن تلتزم عائلة الحجر المنزلي ولا يتوفر أي واحد منها على راتب قار. وقد لا يفهم أن أناسا عاشوا فقط بالتضامن العائلي. وقد لا يفهم أن مريضا ضيّع موعدا مهما مع الطبيب. وقد لا يفهم أن ربع سنة ضاع من الزمن المغربي. ورغم كل رضيت الأغلبية بهذا ضمانا لصحتنا، التي تعتبر آخر اهتمامات الحكومة.
كيف لمجتمع قدم كل هذه التضحيات أن يسمح للاقتصاد الجشع بتخريب كل شيء بين صبح ومساء؟
فقبل الحرب على كورونا أصبح لزاما اليوم إعلان المعركة ضد أشقائه.