في قراءة متأنية لواقع الاستخبارات بالمغرب، وفي سياق التهديدات الهجينة والتحولات التكنولوجية المتسارعة التي تجعل من التطور التكنولوجي مرورا بالاجتياح الرقمي إلى الذكاء الاصطناعي، الدي ليس له حدود، مطية لمحاولة يائسة لضرب هدا الجهاز ومن خلاله ضرب المغرب عبثا، لابد من الوقوف وقفة تمل وإمعان في تطور جهاز المخابرات بالمغرب وتحدياته وآفاقه.
لكن قبل دلك لابد من القول إن المغرب الدي ظل شامخا صامدا مند قرون في وجه كل أعدائه، وفي كل الهجمات المتنوعة دون أن تزحزح أمنه الداخلي واستقراره قيد أنملة، إنما تأتى له دلك بلُحمة كل مؤسساته بنظامه الملكي الدي تربط عرشه بالشعب والأمة عبر روابط البيعة والولاء وبإمارة المؤمنين و بأمنه الروحي المتمثل في الإسلام المعتدل، وبمؤسساته العسكرية والأمنية وضمنها جهاز الاستخبارات وصح فيه بهده اللحمة وهدا الوقوف ضد كل الأعداء قول الشاعر ميخائيل نعيمة،، سقف بيتي حديد ، ركن بيتي حجر، فاعصفي يا رياح وانتحب يا شجر، واسبحي يا غيوم واهطلي بالمطر، واقصفي يا رعود لست أخشى خطر..
والمغرب الدي أبان في أكثر من مناسبة أنه لا يخشى خطر، فإن السياق العام لجهاز مخابراته و تطوره باعتباره واحدا من ركائز المدافعين عن أمنه واستقراره، يدمغ التاريخ القريب أن العمل الاستخباراتي فيه، ارتكز على تقاليد المخزن في المراقبة وجمع المعلومات لحماية وحدة التراب والنظام العام. غير انه في إطار الدولة العصرية وبُعَـيد الاستقلال سنة 1956، تم إنشاء أجهزة منظمة، كالمديرية العامة للدراسات والمستندات، المعروفة اختصارا بـ (DGED) للاستخبارات الخارجية، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) للأمن الداخلي، إضافة إلى مصالح الاستعلامات العامة والأمن والدرك الملكي.
كما أنه في سنة 2003التي شكلت منعطفا في تاريخ الاستخبارات بسبب التفجيرات الإرهابية للدار البيضاء وتداعياتها المتنوعة فرض
القانون 03-03 لمكافحة الإرهاب نفسه ، بإضفاء طابع قانوني أكبر وأوسع على العمل الاستخباراتي، مع تعزيز التعاون الدولي في هدا المجال، دون أدنى تفريط في الجانب الحقوقي المرتبط بكافة الحقوق، وعلى رأسها حقوق الإنسان التي تضمن عملا استخباراتيا مسيجا بحقوق الإنسان، تبدأ من ضمان الكافة الحقوق لاعتقال نظري كافل للكرامة إلى المحاكمة العادلة.
وفي إطار دولة الحق والقانون، التي ترسخت مع بداية الدولة العصرية مباشرة بعد الاستقلال، جاء دستور 2011 تتمة لباقي الدساتير السابقة، ضامنا شاملا لهده الحقوق، ليرسخ عمل الاستخبارات في هدا الإطار، إطار دولة القانون، مع حماية الحياة الخاصة وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة / وهما المكفولان في المادتين 24 و27.
أما في الإطار المؤسساتي الدي ثبت قيادة موحدة للأمن الوطني وDGST تحت إشراف عبد اللطيف الحموشي فكانت نتائجه تنسيقا وفعالية أكبر، فيما كرست
بقيادة ياسين المنصوري لـ” لادجيد” دبلوماسية أمنية عززت وتعزز النفوذ الإقليمي وتتجاوزه إلى المجال الدولي، وقد تعززتا بمنظومة موسعة تشمل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ)والمديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI)، والهيئة الوطنية للمعلومات المالية (ANRF)، ما أعطى للعمل الأمني الاستخباراتي نجاحا أكبر في مهمة تحصين المغرب وأمنه، ولعل ما صاحب هده الطفرة المؤسساتية من إطار قانوني ينبني على قوانين منظمة جعل العمل الاستخباراتي يضرب له ألف حساب على الصعيد الإقليمي و الدولي، ومنها القانون03-03 المتعلق بالإرهاب والقانون 53-05 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية و القانون 09-08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية والقانونا
09-08 المتعلقان بحماية المعطيات الشخصية والقانونان 43-05 / 12-18 المتعلقين بمكافحة غسل الأموال والقانون 05-20 المتعلق بأمن نظم المعلومات، كلها شكلت تطورات وعصرنة تجعل سقف العمل الاستخباراتي المغربي حديدا، وشأن هده الترسانة القانونية شأن التوافق مع الاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها المغرب كاتفاقية بودابست واتفاقية 108+.
ولعل تعامل العمل الاستخبراتي المغربي مع العديد من التهديدات والتحديات ونجاحه فيها دليل على استحالة النيل منه باي وجه من الوجوه، حيث واجه الانفصال في نزاع الصحراء والحركات المتطرفة والجريمة المنظمة التقليدية بحزم، وهاهو اليوم، يواجه الإرهاب العابر للحدود أكثر حزما، كما يقف في وجه الحرب الهجينة المتمثلة في حملات التضليل والهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية المتطورة والتجسس الاقتصادي والصناعي، بصلابة وصمود غير مسبوقين كما يواجه التهديدات الناشئة عبرالذكاء الاصطناعي التوليدي والتزييف العميق والحوسبة الكمية بصلابة وصمود اكثر..
ومن شأن إصدار قانون إطار للاستخبارات يحدد المهام والصلاحيات وآليات الرقابة، وتحديث المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية لتواكب تحديات الحوسبة السحابية والتشفير والذكاء الاصطناعي وتعزيز تطبيق قانون 05-20 لحماية البنى التحتية الحيوية من الهجمات السيبرانية وإدماج التشفير ما بعد الكمي في السياسات الوطنية بالإضافة إلى إنشاء حوكمة وطنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني مع إعداد تقرير سنوي علني عن أنشطة الاستخبارات لزيادة الثقة والشفافية والانتقال من منطق حماية الحدود فقط إلى الاستباق والوقاية في بيئة تكنولوجية غير مستقرة، بالإضافة إلى الموازنة بين المرونة القانونية والابتكار السيادي والتعاون الدولي لضمان السيادة وتعزيز مكانة المغرب كفاعل موثوق في الأمن العالمي، من شأنها كلها أن تجعل فعلا من سقف العمل الاستخباراتي حديدا صادا لا يخشى خطرا..