محمد عفري
قبل أيام قليلة اهتزت ولاية فلوريدا ، ذات الأربعين مليون نسمة، على وقع ارتفاع عدد الإصابات بعدوى كوفيد 19، ناهز ستة عشر ألف حالة في يوم واحد . الارتفاع همّ بالطبع عدد الوفيات، خصوصا في صفوف المسنين وعديمي المناعة. بينما شدد حاكم هذه الولاية ، وهو جمهوري ،على إعادة الإغلاق مبررا إعادة فتح “عالم والت ديزني” في أورلاندو بنفس الولاية هو السبب ،لاقى من كبار مستشاري مكافحة الفيروس بالبيت الأبيض معارضة شديدة بالدعوة إلى تخفيف عملية الإغلاق لتفادي عودة إلى حجر صحي تدريجي ممكن.
تزامنا مع هذا الحدث بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأول مرة حاملا للكمامة الواقية وهو يزور عسكريين ومدنيين مصابين بأحد المستشفيات الميدانية . كما أصر ترامب ويصر على أن كورونا المستجد صنيعة صينية محض ، عاد ليصر أيضا على أن استعمال الكمامة واجب في مكانين لا ثالث لهما ، أولها المستشفيات. بإصراره هذا، كان ترامب منذ مارس الأخير قطع الشك باليقين بأن الحرب وبائية ، وإن كان يقينه هذا يدخل في باب الترويج لحملة ولاية رئاسية ثانية لصالحه وصالح حزبه.
الرسالة التقطها مهتمون وعارفون بخبايا السياسة والاستراتيجيات أكثر من العارفين في علم الفيروسات و الأوبئة المتنقلة . أكدوا أن هذه الأحداث المتزامنة لها ما لها من إشارات يجب أن تقرأ بالقراءات السبع لفك شفرتها. فهي إن لم تكن سباقا محموما بين القوى العظمى نحو الظفر بأولوية اكتشاف دواء / لقاح يخلص البشرية من فيروس يدخل في إطار حرب الأوبئة بين هذه القوى والقضاء عليها ، فإنها بالتأكيد حرب ضروس من نوع آخر، بين الولايات المتحدة الأمريكية ، دركي العالم ، وبين الصين ، أو تنّين شرق الكرة الأرضية ،الذي يخوض بالإنابة عن روسيا وبتفويض منها ،هذه الحرب باسم التجارة والاقتصاد، لكن بغلاف التسابق إلى التسلح والفضاء و” الاستعمار الجديد” وبسط الهيمنة على العالم المتوقّع كما سترسم خارطته الجديدة ، خلاصات التداعيات التي ستخلفها مرحلة ما بعد كورونا.
ما يؤكد أن الحرب حرب أوبئة وفيروسات هو ما ذهبت إليه المنظمة العالمية للصحة في أخر خرجاتها، تزامنا مع هذه المستجدات، حين قالت ،على حين غرة، إن كورونا لم تعد عدواه حكرا على ملامسة الأسطح الملوثة عبر الرذاذ الذي يخلفه سعال أو عطس الموبوء ، بل إن العدوى يمكن تنقلها بسرعة البرق عبر الهواء.
الغريب في هذا الحرب وهذا السباق، هو أن لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الصين ولا روسيا ومن يدخل في فلكها ، من باقي الدول ، لم تعترف قط بالبروتوكول الدوائي الناجح للصد في العديد من الدول،وفي مقدمتها المغرب ،الذي كان أول من أشاد بفعالية الـ”كلوروكوين” واعتمده في برامج مواجهة كورونا المستجد منذ بداية الاجتياح. لكن الأكثر غرابة، كان بطله رئيس حكومتنا،سعد الدين العثماني، في تعامله مع ” الكمامة”.فمع بداية حالة الطوارئ والحجر الصحي ، قال إنه لا مانع من عدم استعمالها قبل آن يعود لتوه بأيام جد قليلة ويؤكد إن استعمالها وقائي ضروري وقانوني . أما كيفية وطريقة استعمالها من طرفه فتلك قضية أخرى..
في خضم الأحداث سابقة الذكر ، كانت روسيا تزامنا معها،قبل أيام (الأحد الأخير كذلك) ،خرجت “خروج”الدب من سباته وهو يبحث عن مغنم، فأعلنت عن نجاح اختبارات لقاح جديد مضاد لفيروس كورونا عن طريق جامعتها الشهيرة “سيتشينوف” في موسكو، مؤكدة أن اختبارات اللقاح المضاد لكورونا التي أجريت على متطوعين قد استكملت بنجاح، وأن المجموعة الأولى من المتطوعين غادرت الأربعاء (أول أمس) مستشفى ” التجارب”، فيما المجموعة الثانية من المتطوعين ستغادره يوم الإثنين 20 يوليوز. أما النتائج المخبرية التي ستجعل روسيا سباقة ، إلى هذا الفتح المبين ، على حساب غريمتها الولايات المتحدة الأمريكية في سباق التسلح و الفضاء و”حرب النجوم”، فقد أكده مدير معهد الطب التحويلي والتكنولوجيا الحيوية هناك ، مشددا على أن جامعة سيتشينوف استكملت بنجاح الاختبارات على متطوعي أول لقاح في العالم مضاد لفيروس كورونا، فيما أفاد مدير معهد علم الطفيليات الطبية والأمراض المدارية والمنقولة ، بأن أمان اللقاح المضاد لـ”كوفيد-19″ تم تأكيده خلال التجارب السريرية في الجامعة، وهو ما يفيد أن نجاح تخليص البشرية من رعب فيروس كورونا ، سيكون على أيادي الروس ومن فكر وعلم الروس.
لم تقف الصين ، الطرف المهم في ” الحرب”من دون أن تواجه مئات الآلاف من الموبوئين بأدوية ولقاحات من صنع محلي، فأوقفت النزيف في يوهان وغيرها وعادت إلى الحياة الطبيعية مع الحذر الشديد . فيما الولايات المتحدة الأمريكية ، بدورها ، لم تقف مكتوفة الأيدي بزعامة ترامب، رغم أن كورونا هزمها بعدوى عشرات الملايين وقضاء مئات الآلاف ، قبل أن يكلف ترامب نفسه، فريقا طبيا علميا برئاسة المغربي الأصل، منصف السلاوي ، ليتأكد معه أن نجاح اكتشاف اللقاح المضاد لن يكون إلا مع أواخر السنة الجارية..
فالحرب مستعرة والسباق مفتوح..