محمد عفري
لم يعد كورونا المستجد، السريع الانتشار، المعدي والفتاك بنسبة إماتة غير مسبوقة في تاريخ الفيروسات مخيفا !..
تلك خلاصة نستنتجها من حالة الاستصغار التي أصبح عليها المواطنون، بل من حالة التراخي؛ في الشارع العام وفي الأسواق كما على الشاطئ وباقي مرافق الترفيه والتنزه أو في وسائل النقل العمومي وفي أوراش الصناعة ومقرات الأعمال الصناعية والخدماتية.
الحصيلة، واقع لا افتراض؛ بؤر وبائية عائلية هنا وهناك، وأخرى مهنية – صناعية في هذا الحي أو ذاك وفي هذه المدينة أو تلك..
النموذج الحي لحد الآن، نسوقه من طنجة العالية التي تحولت من بؤرة “محددة” الرقم والمكان للعدوى بسبب استصغار الفيروس في واحدة من المقرات الصناعية المهنية، بسبب عدم الالتزام بشروط النظافة والتباعد الاجتماعي ومسافة الأمان، لتتسع إلى حاضرة موبوءة استدعت، قبل يومين، التدخل الفوري للسلطات من أجل الإغلاق، بمفهوم الوقاية لمحاصرة الوباء وإخضاع المخالطين للمتابعة المخبرية والحجر الصحي قبل فوات الأوان.
رغم حالات التشافي في مدينة البوغاز، تفاقمت أرقام الإصابة بالعدوى وبالحالات الحرجة، وأصبح الداخل إلى طنجة موبوءًا والخارج منها مُصدرا موزعا للعدوى باعثا لها؛ فما كان الحل إلا إغلاق الأحياء والأماكن التي تشكل تهديدا وبائيا، ليس على المدينة السياحية، بوابة المغرب الشمالي، بل على باقي المدن المجاورة.
كانت قبل مدينة البوغاز، مدينة السردين، آسفي، قد سقطت في المطب. تحولت إلى بؤرة وبائية، بسبب الاستخفاف بشروط وتدابير الوقاية من الفيروس في وحدة إنتاجية للتصبير، فارتفعت حالات الإصابة بالعدوى إلى رقم قياسي وبائي بالمغرب منذ ظهور أول حالة للفيروس بداية مارس الأخير. تدخلت السلطات فطال المدينةَ الإغلاقُ بمفهوم الحجر الصحي النسبي، وعادت الحياة وتعود بالتدريج، بالتحكم في الوضع الذي تتحدث عنه السلطات صباح مساء.
السلطات العمومية أمام ظاهرة انعدام الخوف من كورونا الفتاك، بمفهوم استصغاره والاستخفاف بخطورته وإسوة بانفلاتات طنجة وعبرة بها، وعدت بحق “حالة الطوارئ الصحية” بعدم التساهل مع أي تهاون في احترام الإجراءات الاحترازية المعتمدة، مشددة على إغلاق الأحياء السكنية التي قد تشكل بؤرا وبائية جديدة في أي مدينة كانت، ومشددة أيضا على تطويقها بإجراءات المراقبة بها وإغلاق المنافذ المؤدية إليها.
الوعيد الذي يستفاد منه الأمن الصحي الوقائي لمجموع تراب وطننا لا يتوقف عند المواطنين الجانحين، بل يتعداه إلى كل الوحدات الإنتاجية والخدماتية أو السياحية التي تتهاون في الحرص على احترام قواعد البروتوكول الصحي المعمول به من أجل سلامة البلاد الصحية وأمنها الوقائي..
الحقيقة، بعد تنزيل ظروف التخفيف من الحجر الصحي، ظفر المواطنون بالقليل من الحرية في التجوال وممارسة الحياة اليومية التي تدخل في الحياة العادية المرتبطة بعودة الأنشطة الإنتاجية، لإعادة عجلة الحياة الاقتصادية إلى الدوران، لكن إلى حد عدم الخوف من هذا الفيروس الذي قهر أعتى الدول وأقواها بالانتشار السريع للعدوى بالآلاف يوميا وبالفتك بالعشرات يوميا أيضا، فذلك ما لا يمكن السكوت عنه أو الاستهانة به.
في مدينة الرباط حيث أشتغل وأتنقل هنا وهناك، كما في مدينتِي الدار البيضاء حيث أعيش وأسكن وأتفاعل، تبدو السمة الغالبة على سلوك غالبية المواطنين هي عدم الاكتراث لخطورة الفيروس الفتاك، بمعنى عدم الخوف منه. رغم حملات التحسيس، فالاكتظاظ في طوابير شبابيك تذاكر القطارات، مثلا، أو في القطارات نفسها هو الاكتظاظ المخيف في حافلات النقل العمومي بالبيضاء خصوصا. لا أخْذ بعين الاعتبار لتدابير الوقاية بالتباعد الاجتماعي في المقاهي والمطاعم والأسواق. لا احترام لمسافة الأمان ولا خوف من الاكتظاظ والمخالطة في الشواطئ وأمكنة الترفيه، بل لا استعمال للأقنعة الواقية المعروفة بالكمامات، حيث صارت مجرد زينة للمظهر، معلقة بالأذن أو تحل محل “فراشة” ربطة العنق..
هو عدم الخوف من هذا الفيروس الفتاك، أكثر مما هو التراخي في التعامل معه، وبالتالي التعايش في خضم وجوده. فإذا كان المغاربة في مجملهم لا يلتزمون بالتباعد الاجتماعي كمكتسب سلوكي، فإن شروط النظافة لِمامًا ما اكترثَ معظمُهم ويكترثون بها، وقد جعل الله لنا من نقمة كورونا المستجد مدعاة إلى ثقافة النظافة والتعقيم في كل ثانية ودقيقة في اليوم الواحد، اتقاء من الابتلاء. أما الخوف فهو متبدد أصلا.
لولا صرامة حالة الطوارئ الصحية ونجاعة الحجر الصحي، بل لولا صرامة السلطات لكانت العاصمة الاقتصادية، مثلا، بكثافة سكانها وتعدد ثقافة وسلوكات قاطنيها، بؤرة عصية.. فرجاء الالتزام، قبل الندامة..