فرضت جائحة كورونا سلطتها وسطوتها على الزمان والمكان. لم تعد الفضاءات والأمكنة موئلا لمن ضاقت به جدران المنزل والعمل. وما عاد الزمن مضبوطا على إيقاع ضجة الحياة. هذا السكون والسكوت خلق نوعا من الخوف. اليوم بدأنا نخرج للشارع تدريجيا. لكن ينتابنا الخوف. هل خوف من الآخر؟
يقول الشاعر الروماني فرجيل أو فيرقليش، كما ورد في بعض كتب العرب القديمة، “الخوف يضع أجنحة للنعال”. الخوف من هذا الغامض القاتل يجعلنا نسرع الخطى. لكن مما نخاف؟ الفيروس لا ينتقل فهو محمول من قبل هذا الحامل المسمى إنسان. فهل نخاف من الحامل أم نخاف عليه؟ إذا خفت منه فأنت تعتقد طهارتك من رجس المرض. نسرع الخطى لا نلوي على شيء. لا تسامح في الأمكنة إن لم يتم احترام مسافة الأمان. لا أتحدث عن قوم من أهل الفوضى.
وذهب أحد أساطنة اللاهوت المسيحي ترتليانوس إلى أن “البغض ابن الخوف”. عندما أخاف من هذا الكائن الغامض المنتقل عبر البشر هل أكره البشر؟ وعندما نكون عند الحد الأقصى من الخطر نستشعر الحد الأدنى من الخوف.
هل نخاف أم لا نخاف وما هو الخوف؟ قال فرويد “لا تسألني عن القلق فلكل منا نصيب منه”، ورغم الفرق الكبير بين القلق والخوف أقول “لا تسألني عن الخوف فلكل منا نصيبه”. وأحيانا نخاف من الأشياء التي نعتقد أننا قادرون على هزيمتها. فهو خوف من المعركة.
وأشهر عبارة لمواجهة الآخر هي “الجحيم هم الآخرون” للفيلسوف الوجودي سارتر. طبعا ليسوا دائما جحيما، ولكنها كناية عن العلاقة الفاسدة والمتوترة مع الآخر..فالآخرون هم الفردوس إن تغيرت العلاقة.
عبارة الجحيم هم الآخرون لها قصة..عام 1943 كتب سارتر مسرحيته “لا مخرج”..عُرضت وما زالت تعرض على المسارح..مسرحية من فصل واحد..تضم ثلاث شخصيات..غارسين جبان ويريد أن يتشبه بالأبطال..استل نرجسية غرضها جذب الرجال. إرس سحاقية تحب أن ترى الآخرين يعانون..بنت “خيمة كحلة” كما يقول المغاربة..غارسين يقول في نهاية المسرحية “الجحيم هم الآخرون”..الوجود الناقص لا يكتمل إلا بلحمة العلاقة بالآخر..
طبيعة هذه العلاقة يمكن أن تجعل منه جحيما أو فردوسا بغض النظر عما يريده سارتر وفهمه للوجود.
قد يكون طبيعيا أن أخاف منك. وهنا تكون جحيما أسعى للتخلص منك. وقد أخاف عليك وتكون فردوسا. علاقات كثيرة لا نستغني عنها لكمال الوجود. فكيف نخاف ممن هو ضروري لوجودنا.
كثير من الناس لا يخافون منك لأنه ممكن أن تكون حاملا للفيروس..ولكن قد يعتبرونك فيروسا..في البرلمان صرّح وزير الأوقاف بأن بعض المعتقدات المذهبية هي فيروسات ينبغي محاربتها..حاول الإنكار أخيرا..لا يهم ما قاله لكنه شاهد على وجود من يخاف منك ليس لأنك مريض ولكن لأنك مختلف. وهناك من يعتبر المرض اختلافا..الآخر بكل صفاته هو فرصة لك كي يكتمل وجودك..عندما تؤمن بهذه الحقيقة يصبح الآخر فردوسا.