في الاجتماع الذي جمع وزراء من الحكومة بممثلي الباطرونا بمقر وزارة الداخلية، تم وضع النقط على الحروف، لأن قرار تخفيف شروط الحجر الصحي جاء من أجل إنعاش الدورة الاقتصادية، غير أن هذا الإنعاش اتضح أنه سيقتل أمورا أخرى، بل سيعطل معركة المغرب ضد فيروس كورونا المستجد، الذي حيّر العالم، فقد ظهر أن حوالي 50 في المائة من المصابين الجدد انتقلت إليهم العدوى داخل المعامل.
وهذا الرقم الذي قدمه وزير الداخلية للباطرونا هو من قبيل المسامحة اللغوية فقط، لأن هذا الإحصاء يتعلق بالعمال الذين أصيبوا ولا يتعلق بمخالطيهم من خارج المعامل، باعتبار أن الدورة الاقتصادية تتلوها دورة اجتماعية، مركزها السكن والحي والسوق والدكان، والأماكن التي يلتقي فيها المواطنون لقضاء أغراضهم، وبالتالي هناك نسبة أخرى من المصابين انتقلت إليهم العدوى عن طريق العاملين في الوحدات الصناعية والإنتاجية.
الاجتماع، الذي يبدو أنه جاء على عجل ولم يكن مقررا، يوحي بأن المغرب دخل مرحلة خطيرة جدا من حيث انتشار فيروس كورونا المستجد، في وقت تتحدث دول العالم عن مرحلة من تطور الفيروس، حيث أصبح أكثر قدرة على الانتشار وأكثر قوة على الفتك بالإنسان لما يلتحم بالخلية.
مرحلة خطيرة تواجهها السلطة بصلابة وتواجهها الوحدات الإنتاجية بتراخي كبير، وقد رأينا كيف حولت وحدة لتعليب الفراولة منطقة بكاملها إلى بؤرة وبائية نواحي مولاي بوسلهام بإقليم القنيطرة، وكيف حولت وحدة لإنتاج السمك مدينة آسفي إلى بؤرة استدعت إغلاق المدينة، وها هي الوحدات الصناعية والإنتاجية بطنجة تعود بالمدينة إلى المرحلة الصفر حيث تم فرض تدابير الحجر المنزلي على الساكنة.
قلنا في وقت سابق عن الدورة الاقتصادية لا ينبغي أن تكون دورة في الفراغ، أي أن ما ننتجه لا يكفينا لمعالجة من سيصابون بالمرض الخطير، حيث إن هدف الدورة الاقتصادية الحالية هو إنعاش الاقتصاد الوطني، وتفادي مزيد من الخسائر، لكن القضية أصبحت اليوم بحثا عن الربح وربما الربح المضاعف إذ هناك من يريد استرجاع ما ضاع منه خلال فترة الحجر الصحي أي خلال ثلاثة أشهر.
أي صاحب مصنع أو وحدة إنتاجية سيكون واهما إذا اعتقد أن سيربح كما كان في السابق، لأن الهدف ليس اليوم الربح ولكن تفادي الخسائر واستمرار عجلة الإنتاج، اما الطريقة التي تتعامل بها كثير من الوحدات الصناعية والإنتاجية فهي تدل على أننا أمام رأسمال غير وطني لا تهمه المصلحة العامة للبلد، والمصلحة العامة اليوم هي دوران عجلة الاقتصاد لتفادي الكساد لكن مع ضمان استمرار المعركة ضد كوفيد 19.
لكل خرق مسؤولية ولكل اختلال تفريط قام به أشخاص أو قامت به جهة معينة. تحولت المصانع إلى مشتل لنقل الفيروس، وكان مفروضا حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، أن يكون في مستوى المرحلة ويشدد الرقابة على المعامل لكن شيئا من ذلك لم يحصل. فهل ستتم محاسبته على تفريطه؟ وهل سيتم ترتيب الجزاء على الفعل الذي يعتبر خيانة للوطن؟ في الحد الأدنى ينبغي إقالة المعني بالأمر لأنه ضرب جهود المغرب في محاربة كورونا عرض الحائط.